وصف الكتاب
يحتل الفيلسوف العربي ابن رشد مكانة كبيرة في تاريخ الفكر الفلسفي العالمي. إنه آخر فلاسفة العرب وعميد الاتجاه العقلي في بلداننا العربية من مشرقها إلى مغربها، ويكاد يكون أكثر فلاسفة العرب تأثيرا في بلورة العديد من الأفكار التي قال بها هذا الفيلسوف أو ذاك من الفلاسفة الذين وجدوا في العصر الوسيط بصفة خاصة. فلا تذكر الفلسفة العربية إلا وأن نضع في الاعتبار المكانة الكبيرة لابن رشد، ذلك الفيلسوف الذي يقف على قمة عصر الفلسفة العربية لتميزه بالحس النقدي الدقيق تماما كالفيلسوف أرسطو قبله والذي يقف على قمة عصر الفلسفة اليونانية لحسه النقدي، والقديس توما الإكويني في العصور الوسطى، والفيلسوف الألماني كانط في العصر الحديث. ورغم المكانة الكبيرة التي يحتلها ابن رشد ليس في تاريخ الفكر العربي فحسب بل في الفكر البشري العالمي أيضا، إلا أن الفيلسوف قد ظلم من جانب العرب بصفة خاصة حيا وميتا وأنصفه الاوربيون، وبحيث يمكن ان يقال إن أوروبا قد تقدمت لأنها إختارت النموذج ',',ابن رشد',', اما العرب فقد لحقهم التأخر والرجوع إلى الوراء والصعود إلى الهاوية لأن النموذج الذي إختاروه هو الغزالي تارة وابن تيمية تارة أخرى، بالإضافة إلى الفكر الأشعري في بعض صوره. لقد كان الدكتور عبد الحميد درويش موفقا غاية التوفيق حين اختار هذا الموضوع مجالا للبحث والدراسة وخاصة أن فكر ابن رشد يختلف اختلافا يكاد يكون جذريا عن فكر الغزالي، هذا بالإضافة إلى ان المنهج عند كل واحد منهما يختلف عن الآخر، إذ من الواضح أن المنطلق أو الأساس عند الغزالي في تكفيره للفلاسفة إنما كان المنطلق الديني بصفة خاصة، في حين أن المنطلق الذي نجده عند ابن رشد في ردوده على الغزالي وعلى الأشاعرة وأيضا الصوفية وابن سينا الفيلسوف المشرقي إنما كان منطلقا فلسفيا، ومن هنا كان منطلقه غير منطلق الغزالي ومنهجه غير منهج الغزالي.