تعد الأفكار السياسية المرآة التى تعكس الظروف والأوضاع التى عاشها المفكر، فالفكر نتاج واقعه لكن في الوقت ذاته قادر على تجاوزه. ومن ناحية أخرى, فإن الأفكار لا تموت, ويظل العقل الإنساني منشغلًا بذات المفاهيم والقضايا, حتى وإن تعددت الإجابات, واختلفت السياقات، ومن هنا الحاجة إلى الوعي بالمنتج الفكري للعقل الإنساني في سياقاته المتنوعة في مراحله المختلفة, وفي تراكمه, وتواصله, وتفاعله عبر المكان والزمن. ومع ذلك فالتأكيد هو على أن الخصوصية لا يجب أن تهدر وعي الطالب بتكاملية المراحل التاريخية للفكر الإنساني, وتراكم مفهوم الزمن, والتطور التاريخي, والتواصل الحضاري مع المقاربة الإنسانية التكاملية (1).
ويرتبط تطور الأفكار السياسية أيضًا بالنظرية السياسية في حقولها المختلفة، فقد تنوعت القضايا التي شغلت المفكرين والتي صنفها العقل الأكاديمي المعاصر تحت حقول مختلفة للعلم، مما يجعل على سبيل المثال قراءة كانط للسلام العالمي, أو رؤية مكيافيللي للقيم في العلاقات الدولية, أو تصور الفارابي للمدينة الفاضلة والمعمورة, غاية في الأهمية لدراس العلاقات الدولية، مثلما يهم دارس الحكومات المقارنة مطالعة تطور الأفكار في تقسيم الأنظمة السياسية, والحكومات، وغيرها (2).
ويشكل الفكر الإسلامي السياسي أحد أبرز السياقات المهمة في المجتمعات العربية والإسلامية؛ خصوصاً بعيد وفاة النبي (صلى الله عليه ), حيث حرص المسلمون من جهة المهاجرين على الفور بترشيح الصحابي الجليل أبو بكر الصديق, ومن الأنصار على ترشيح الصحابي سعد بن عبادة أحد رموزهم المعروفة، وجرت فيما بينهم انتخابات حرة نزيهة انتهى بها المطاف إلى أن ترجح كفة أبو بكر الصديق بنسبة أكبر، ومن هذه الحادثة بدأت الانطلاقة الفعلية للفكر الإسلامي السياسي, والتي تمثل أساساً, وضابطاً مهماً في طريقة تعيين واختيار حاكم شرعي, فعلى يمثل الشعب والبلاد على أسس صحيحة بعيدة عن الاستبداد بالرأي, أو محاولة التفرد بالقرار, وهذا يمثل جوهر السياسية الشرعية بالمنظور الإسلامي.