وصف الكتاب
ارتبطت إفريقيا في المخيلة العامة بالمعاناة والمآسي الإنسانية، حيث أن كل مؤشرات التنمية لا زالت فيها ضعيفة للغاية مقارنة بالإمكانيات الهائلة التي تتوفر عليها هذه القارة دون ان تعود بالنفع على شعوبها، في مقابل إستفحال ظواهر التهميش وإنتشار الأمية والإستبداد السياسي وضيق الحريات والعنف بمختلف صوره والأمراض والفقر(...) وهي كلها إنعكاسات لواقع مرّ يتسم بالجمود، غابت فيه العدالة والإنصاف والبرامج التنموية الهادفة، بإستثناء بعض التجارب الحديثة التي بدأت تشق لنفسها كيانات خاصة بها، وها هي إفريقيا اليوم تعتمد كلية على البلدان الغنية وأغلبها استعمرت أوطانها وكانت سبباً مباشراً في أزماتها، خاصة وأنها تحولت إلى سوق إستهلاكية كبيرة جعلتها أكثر إستهدافاً من أية قارة أخرى للمناورات التي تعطى بيد وتسترد بالأخرى.
وفي ظل هذه الأوضاع المقلقة حول مصير إفريقيا اليوم، بتنا بحاجة ماسة إلى مساءلة أفكارنا ومورثنا وقيمنا، وتحليل الثقافة الإفريقية وتأويلها إلى ما هو مفيد للفهم والبناء، وبتنا في حاجة ماسة لأن نسائل أمر ثقافتنا الإفريقية، وعن خصائصها، وهل هذه الثقافة موائمة للإحتياجات الشعوب والأمم في القرن الواحد والعشرين؟ ولماذا استمر حجب الثقافة الإفريقية مقارنة بثقافات الأمم الأخرى من المشهد العالمي وإلى يومنا هذا؟...
تضم إفريقيا تنوعاً هائلاً في الثقافة والأعراق وطرق العيش والإعتقاد، فهناك أفريقيا البيضاء وأفريقيا السوداء، البيضاء في شمال الصحراء الكبرى والسوداء في جنوب الصحراء، وهناك بعض الدول فيها تضم اللونين مثلك موريتانيا والسودان وجنوب إفريقيا وزمبابوي والتي تضمن أقلية كبيرة من البيض، تنوع سرعان ما نتج عنه ظاهرة العضوية والتطاحن العرقي، والمتفحص في أسباب هذه الظاهرة سيجد حتماً تعدداً لغوياً ودينياً كبيراً، فهناك أفريقيا الأروبوفونية (المتحدثة بالعربية) والأنجلوفونية (المتحدثة بالإنجليزية) والفرانكونية (المتحدثة بالفرنسية واللوزوفونية (المتحدثة بالبرتغالية نسبة إلى اسم القديم للبرتغال ",لوزيتانيا", والهسبانوفية (المتحدثة بالإسبانية) ناهيك عن عدد كبير من لغات محلية التي لا علاقة لها بلغات المستعمر، إضافة إلى ديانات محلية عديدة وديانات سماوية (الإسلام، المسيحية، اليهودية)، وفي كل هذا لا يمكن أن نتجاهل أدوار الحركات الإستعمارية على نسيج أفريقيا العام، حركات قامت على تفكيك القوميات الكبرى التي عرفت بها أفريقيا تاريخياً مثل: يوروبا (yo r ubas) والهاوسا (hausas) وبول (pauls) والمالينك (malinkes) وهي عدد قليل من العديد من القوميات المنتشرة في الدول الإفريقية، وعلى حد تعبير (دانييل ايتونجا - مانجوبل) أن محاولة إحصاء مجالات التنوع الثقافي في إفريقيا على أساس لون البشرة واللغة والمعتقد سيقودنا حتماً إلى عدة ألاف أفريقيا، فهل توجد في إفريقيا ثقافات بعدد ما فيها من قوميات وقبائل؟ وهل عددها يتوافق مع عدد الدول التي رسمت حدودها الدول الإستعمارية؟ وهل رصد وتحليل الثقافات الإفريقية يفيدنا في فهم ذواتنا؟...