وصف الكتاب
التفكير في الثقافات، هو تفكير في الفروقات الحاصلة داخل الثقافة الواحدة ذاتها وفي الفروقات الظاهرة بين الثقافات البشرية بأسئلتها المتعددة، والذي يعدّ ضرورة معرفية لا غِنى عنه لاكتشاف طبائع المجتمعات البشرية، فكل ثقافة إلا وهي جمع ولملمة، وفهم فروقاتها يساعد الفرد على استيعاب الاختلاف وجعله أتيقة له. ويمكّنه من تحديد أساليب عيشه وأنماط تواصله وفهم تصوراته لشتى قضايا الوجود بعامة، وهي ضرورة أيضاً نابعة من طبيعة الثقافة ومكوناتها ذاتها، والتي تحمل علامات الذات وما هو مشترك حملاً متنوعاً من دين وفن وعادات وتقاليد وعلم وفلسفة.. داخل شبكة اجتماعية معقدة، تستوعب كل مستخرج وحركة جديدة، ولعل ماكس فيبر في قوله ",الانسان هو حيوان عالق في شبكة رمزية نسجها بنفسه حول نفسه، وبالتالي صارت هذه الشبكة هي الثقافة", يؤكد أهميّة هذه الضرورة ويدعم هذا التوجه.
فالثقافة، وإلى هذا، هي مرجع هوياتي ثابت للشعوب، يمتاز بالتنوع والاختلاف والمرونة والتراكمية، ويتمتع بأدوار حيوية عديدة، وأهمها صناعة الامتداد التاريخي المليئ بالمنجزات والسير العامة؛ وهي إمكانية مهمة لفهم ومعرفة التشكلات الاجتماعية. حيث يمكن للثقافة نحو صلاتها المشبعة بالفنون والقيم أن تكون رائدة لحياة اجتماعية جديدة وأنماط عيش راقية، وعليه نطرح مكوناتها الفنية والقيمية كمرجع أساسي لمعاش الفرد، وأن تعمل على معالجة التمللات الجتماعية والتفسخات الطارئة حتى تجعل من المجتمع.. مجتمعاً مهنياً للانفتاح والتعدد والترقي، وتحفزه كثيراً على التطلع وفي قمة الترقب، حتى يكون الشعب في أتمّ الجاهزية لسلوك مسار التطور. من وحي جملة المحفزات هذه التي تحوز عليها الثقافة يأتي هذا الكتاب، في فصوله الخمسة المتضمنة مجموعة من الأبحاث، ليستقرئ مسارات ثقافية، مستخرجاً مآزق النقاش الثقافي من خلال العودة إلى أصوله التاريخية.
وانطلاقاً من مراعاة مزايا التنوع الثقافي في تحصيل رؤى مختلفة للإنسان بعامة. وقف الباحثون، وفي أبحاثهم هذه على ثقافتين مختلفتين في جوانب كثيرة، ومتباعدتين جغرافيّاً؛ إلّا انهما متقاربتين في أساليب العيش وطرق مغالبة الوجود، وتعاطي مستجدات الراهن نابشاً في مكوناتها الداخلية، وفاحصاً سرّ ثرائها.
وهاتان الثقافات اللتان كانتا مدار البحث هما: الثقافة الهندية والثقافة المغاربية، وذلك من خلال مراجعة اسئلتها الأساسية للقضايا وللأشياء، وعلى ما يبدو للباحث، فإن كلتا الثقافتين لها ثقلها في حيزهما الجغرافي الإقليمي وفي العالم بصفة عامة.
هذا وقد جاءت هذه الأبحاث ضمن فصول متباينة في معالجتها لقضايا الثقافات الهندية والثقافات المغاربية، وذلك تبعاً لطبيعة الأسئلة المركزية المتداولة فيها. تضمن الفصل الأول بحثاً بقلم الباحث ",حاكم عمارية", جاءت تحت عنوان ",سؤال الحرية في الثقافة الهندية",.
أما الفصل الثاني فقد شمل على بحث جاء تحت عنوان ",سؤال المعاناة في الثقافة الهندية", للباحث ",بن قريحة أسماء",. وأمّا الفصل الثالث والذي اشتمل على بحث جاء تحت عنوان ",سؤال المادة في الفكر الفلسفي الهندي للباحثة ",يمنش جهاد",. وتناول الباحث ",حنيني مبارك", في الفصل الرابع موضوعاً بعنوان ",سؤال اللغة في الفضاء المتوسطي – الأمازيقية نموذجاً", وتناول الباحث د.مونيس بوخضرة، في الفصل الخامس والأخير بعض جوانب الثقافة المغربية المتوارثة منذ آلاف السنين. وجاء هذا البحث تحت عنوان: ",في بعض أسئلة الثقافة المغاربية",.