وصف الكتاب
لا يمكن فهم أهمية نظرية ",التلقّي",، بوصفها نظرية نقدية تعنى بتداول النصوص الأدبية وتقبلها، وإعادة إنتاج دلالاتها، سواءً أكان ذلك في الوسط الثقافي الذي تظهر فيه، وهو ما يمكن الاصطلاح عليه بـ",التلقي الخارجي",، أم داخل العالم الفنيّ التخيلي للنصوص الأدبية ذاتها، وهو ما يمكن الاصطلاح عليه بـ",التلقي الداخلي",، إلا إذا نزّلت هذه النظرية منزلتها الحقيقية، بوصفها نشاطاً فكرياً متصلاً بنظرية أكثر شمولاً هي نظرية ",الاتصال",، التي بدأت ملامحها تتبلور منذ منتصف القرن العشرين في ألمانيا، وذلك قبل أن يشرع طياوس", و",آيزر", في ترتيب الأطر",ر العامة لنظرية تعنى بالتلقي الأدبي والتأثير والاستجابة في مطلع السبعينات. وكان الاهتمام بالتواصل الخارجي بين النصوص الأدبية والمتلقين مثار عناية رواد نظرية التلقي، وذلك قبل أن تتوسع اهتمامات الباحثين اللاحقين، لتنقل الاهتمام من التلقي الخارجي إلى التلقي الداخلي، الذي يعنى بفحص طبيعة التراسل الداخلي في النصوص الأدبية، والسردية منها على وجه خاص. وقد اندمج هذا الاهتمام بالجهود المتنوعة والكثيرة التي بلورتها الدراسات السردية، تلك الدراسات التي تعمقت في وصف مستويات النصوص الأدبية وأبنيتها وأنظمتها الدلالية، وبذلت جهود كبيرة في معاينة التلقي الداخلي، منطلقة من فرضية أساسية وهي؛ أن الإرسال السردي داخل النصوص لا بد أن يتم بين ",الراوي",، باعتباره قطب الإرسال، و",المروي له", بوصفه قطب التلقي، فالمادة السردية إنما هي مداولة قوامها الإرسال والتلقي. ولا ينبغي فهم دور ",المروي له", على أنه دور من يتلقى فقط، وينفعل بما يرسل إليه، فوظائفه أكثر من ذلك، وقد حددها ",برنس",، بأنها تتصل بنوع التوسط بين الراوي والقارئ، وفي الكيفية التي يسهم فيها بتأسيس هيكل السرد، وتحديد سمات الراوي والقارئ، وفي الكيفية التي يسهم فيها بتأسيس هيكل السرد، وتحديد سمات الراوي، وكشف مغزى النص، وتنمية حبكة الأثر الأدبي، وتحديد مقاصده. ضمن هذا السياق تأتي دراسة الباحث حول مفهوم التلقي والسياقات الثقافية وذلك من خلال متابعته أولاً التدرج في العلاقة التي تربط النصوص الأدبية بالسياقات الثقافية، على مستوى الخبر القصير، والنص السيري الإشراقي، والنوع الأدبي الثانوي، وقد حرص في ذلك على التأكيد بأن النصوص تتراسل مع سياقاتها، وهي تزداد ثراء بتفاعلها مع سياقات ثقافية متغيّرة.
والباحث لم يرد بذلك تقييد دلالاتها النصية، إنما هو سعى إلى منحها المعاني المتجددة والمواكبة للسياقات المتغيرة التي تأخذ أشكالاً مختلفة في الزمان والمكان، وقد بيّن ثانياً في الفصلين الثاني والثالث الأذى الذي يلحق بالنصوص حينما تنزع من سياقاتها الأدبية والثقافية؛ لأن ذلك يحول دون تنشيط خصائصها الفنية. مثيراً ثالثاً في الفصل الرابع قضية أكثر شمولاً وسعة، وهي تتصل بما يمكن الاصطلاح عليه بـ",التلقي التاريخي",. ومادته في هذا المنحى هي المرويات السردية والنثرية الجاهلية التي ظهرت في سياق ثقافي معين هو العصر الجاهلي، ثم جرى تلقيها في سياق ثقافي مناهض هو العصر الإسلامي.