وصف الكتاب
لقد كانت حياة حبيب الشاروني رمزا لكثير من القيم الخلقية ، كما أن علمه الشمولي والتحليلي في مجال الفلسفة الحديثة والمعاصرة، فضلا عن إلمامه الدقيق باللغات الفرنسية والإنجليزية واللاتينية من أهم أسباب التي جعلتني أكتب عنه ـ أما مؤلفاته فقد تميزت وتميزها بدءا من ",برجسون",و",سارتر",، مرورا بفكرة الجسم في الفلسفة الوجودية ، و",الوجود والجدل في فلسفة سارتر ",، وفلسفة", فرنسيس بيكون",، و",مين دي بيران ",و",العين والعقل لميرلوبونتي",، وانتهاءً بفلسفة ",جان بول سارتر",، فضلا عن ترجمة محاورة بارمنيدس لأفلاطون إنها تمثل (كما قالت د. راوية عباس في مقالها عنه ) كوكبة تثري المكتبة الفلسفية بموضوعات جادة ومتخصصة في كل زمان ومكان. ولو أضفنا إلي سلسلة كتبه الأخرى القيمة مجموعة أبحاثه العلمية بدءا من ",الله إلي الإنسان", ، و",العلاقة بين الأنا والآخر في فلسفة سارتر", ، فضلاً عن الاغتراب في الذات ، وانتهاءً بأصول المنهج الفلسفي عند أفلوطين لتبين لنا رحابة الإنتاج العلمي ودورانه في فلك الفكر الفلسفي اليوناني والحديث والمعاصر .
وكان الدكتور حبيب الشاروني قمة في التواضع، فهو الإنسان بكل ما تحمله كلمة الإنسان من معاني ودلالات، فلقد وهب حياته كلها للجامعة: تعليماً وبحثاً، وظل اهتماماته الرئيسية هي اهتمامات أستاذ جامعي يسعي إلي أن يرتفع بعمله إلي أعلي مستوي ممكن، ومن هنا فإنه يمثل القدوة والريادة وستظل كتاباته تمثل المنارة التي يهتدي بها الإنسان في الظلام تمثل الشعلة الخالدة، شعلة الفكر، وما أعظمها من شعلة .
واسمح لي عزيزي القارئ أن أتحدث عن ",حبيب الشاروني... فيلسوف الجسد", ؛ حيث يعد مفهوم الجسد مفهوماً مستعصيا علي الفهم ، نظراً لتراكم الدلالات حوله ، بالإضافة إلي تقاطعه مع مفاهيم أخري ، مثل البدن والجسم ، وتقابله مع مفاهيم مثل الروح والنفس داخل التصور الميتافيزيقي ، والجسد يمثل موضوعا من موضوعات الوجود والمعرفة المطمورة والمهمشة ؛ حيث وجدنا أفلاطون لم يهتم بالجسد بقدر ما كان اهتمامه موجها للنفس ؛ حيث يري أن الجسد منجذب إلي الملذات ، بينما النفس تصبو إلي العلم والحكمة ، وبالتالي أضحي الجسد في معناه الأفلاطوني حاويا وسجنا للنفس.
وعندما جاء أرسطو أقام تقسيمه للموجودات علي أساس أن بعضهما موجود بالطبع ، والبعض الآخر غير ذلك . وفي حدود هذا التقسيم يعد الجسم الإنساني موجوداً طبيعياً تدرسه الفلسفة بغية الكشف عن ماهيته ومبادئه ، ولكن البحث في الجسم الإنساني قد تأثر في بعض العصور بالرؤي الدينية والأخلاقية التي أدت إلي الإقلال من شأن الجسم ؛ في حين أنه لدي الاتجاهات الأخرى المادية أعُتبر الجسم هو الأصل الذي تُرد إليه مظاهر الحياة النفسية كلها (وذلك كما أكد صديقي الدكتور رمضان الصباغ رحمة الله عليه في مقاله عن فكرة الجسد عند حبيب الشاروني).