وصف الكتاب
عندما بدأت مفاوضات سد النهضة، قررت الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السياسي أن تفتح صفحة جديدة بيضاء مع إثيوبيا، وذلك بعد أن تعهدت إثيوبيا على لسان رؤساء وزرائها، بأنها لن تسمح بوقوع أي ضرر بالوضع المائي لمصر الشقيقة، لأنّ الهدف من السد، هو توفير الكهرباء لمواطني إثيوبيا، وليس الإضرار بمصر وشعبها. وقد صدّقهم جزء كبير من الشعب المصري بعد أن تم الاتفاق في 2015 مع إثيوبيا على إعادة دراساتها لسد النهضة، وتحديد كيفية تجنب تأثيراته السلبية على تدفقات نهر النيل لمصر.
وبالفعل انخرطت الدول الثلاث: مصر، وإثيوبيا، والسودان فى مفاوضات لإعادة الدراسات الإثيوبية لسد النهضة، بهدف التوصل إلى سياسات متفق عليها لملء السد وتشغيله، ولكن للأسف حتى منتصف 2019، لم تنجح المفاوضات المستمرة طوال هذه السنوات إلى بدء أى من الدراسات المطلوبة أو التوافق حول سياسات ملء وتشغيل السد؛ وفى نفس الوقت استمرت إثيوبيا فى إنشاءات السد وقاربت من انتهائه لفرض أمر واقع غير قابل للتفاوض.
فاضطرت مصر إلى الإعلان عن فشل المفاوضات، والمطالبة بتدخل وسيط دولى للوصول إلى تفاهمات مقبولة من الأطراف الثلاثة، وذلك تبعاً لإعلان المبادئ الموقع من الدول الثلاث؛ وبعد محاولات من الصد والرد، تم الاتفاق في منتصف يناير 2020م على أن تراقب الولايات المتحدة الأمريكية جولة جديدة من المفاوضات تهدف إلى التوصل إلى اتفاق حول سياسات ملء وتشغيل السد تحت الظروف الهيدرولوجية المختلفة لتدفقات النهر.
لكن يبدو أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، ففي خلال الأسابيع الماضية أصدرت وزارة الخارجية المصرية بياناً مهماً جداً عن تعثر مفاوضات سد النهضة مع الجانب الإثيوبى بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبى.
وهنا اضطرت الدولة المصرية إلي أن تتقدم بشكوي رسمية لمجلس الأمن تشكو التعنت الإثيوبي ، حيث وجه وزير الخارجية سامح شكري خطابًا إلى المندوب الفرنسي الدائم لدى ",مجلس الأمن", بصفته الرئيس الحالي للمجلس بشأن أزمة ",سد النهضة", الإثيوبي، وكان نص الخطاب: “سعادة المندوب الدائم، أكتب إليكم مرة أخرى اتصالاً بـ",سد النهضة", الإثيوبي، وهو أمر جلل ذو تداعيات ضخمة على مصر كما أشرت في خطابي السابق المؤرخ الأول من مايو 2020، فضلاً عن طبيعته العاجلة في ظل مواصلة إثيوبيا إصرارها على بدء ملء السد بشكل أحادي الجانب خلال موسم الأمطار في شهر يوليو المُقبل بما يخالف التزاماتها القانونية الدولية، وهو ما تُدلل عليه تصريحات علنية بما في ذلك تصريحات السيد رئيس الوزراء الإثيوبي بتاريخ 8 يونيو 2020.. وبالنظر إلى خطورة الوضع، وفي ضوء التعنت المستمر لإثيوبيا، والذي قد يُشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، أكتب إلى سعادتكم لأطلب من ",مجلس الأمن", الدولي أن يتدخل في هذه المسألة على وجه السرعة.. وقد اختارت مصر إحالة هذه المسألة لـ",مجلس الأمن", الدولي بعد أن بحثت واستنفدت كل سبيل للتوصل إلى حل ودي لهذا الوضع عبر إبرام اتفاق بشأن ",سد النهضة", الإثيوبي يحفظ ويعزز حقوق ومصالح الدول الثلاث المُشاطئة للنيل الأزرق.
وبالفعل اجتمع مجلس الأمن في مساء يوم الأثنين في الأسبوع الماضي ، وقد شهد هذا الاجتماع جلسة عاصفة وأبلى فيها وزير الخارجية سامح شكرى بلاءً حسناً، وكان ملماً تماماً بملف القضية بكل تفاصيله ابتداء بالمخاطر التى ستلحق بمصر والسودان، وانتهاء بالموقف الإثيوبي الغريب الذى لا يضع فى حساباته حقوق ومصالح الأطراف الأخرى.
ربما كانت المرة الأولى التى تطرح فيها مصر والسودان، قضية سد النهضة أمام العالم بهذه الكثافة وهذا الانتشار، أن يعرف العالم لأول مرة ، حقيقة هذه الأزمة وحدود هذا الصراع، وكان ذلك انجازاً كبيراً يتحقق لأول مرة على المستوى العالمى.. على الجانب الآخر فإن الوزير سامح شكرى عرض القضية ببراعة ودقة فى كل التفاصيل ابتداء بموقف أثيوبيا فى كل مراحل التفاوض طوال عشر سنوات وانتهاء بكل الآثار السيئة المترتبة على إقامة هذا السد بالنسبة لمصر والسودان..