وصف الكتاب
أفاق على صوت مزلاج باب زنزانته الحديدي.. فارتعد جسده النحيل.. ونظر باتجاه الباب في رعب.. لتصطدم عيناه بوجه الشاويش حمدون يطل عليه بملامحه الجامدة وشاربه الكث.. وكأن تمثال قد من صخر.
دفع ",جراية", الطعان بعيداً.. وغاص في خوفه وهو يتأمل بزته الحمراء فانتفض بدنه في رجفة لا إرادية.. ثم انكفأ بوجهه بين ركبتيه يحيطهما بيديه المرتعشتين.. وراح في بكاء مرير.. وليرتفع نشيجه يشق سكون الصمت في زنزانته الضيقة المعتمة.
إنه يموت كل يوم آلاف المرات.. كلما سمع وقع أقدام تتحرك.. أو صوت مزلاج يفتح..
كان أمله الأخير ألا يصدق رئيسي الجمهورية على حكم المحكمة.. لكن خاب أمله وضاع.. وتصدق في النهاية على إعدامه.. فلماذا إذن لا ينفذون حكم الإعدام سريعاً..؟ ولم هذا الموت البطئ..؟ أيكون هذا الانتظار عقاباً نفسياً قبل الشنق..؟
هكذا تساءل ",فؤاد حمودة", وهو حبيس زنزانته الانفرادية في سجن مزرعة طره.. وامتدت يده تتحسس رقبته للمرة المليون.. وصرخ بأعلى صوته في هلع: لا..لا..لست خائناً لست جاسوساً لإسرائيل.. أنا ضحية.. أنا ضحية الفقر.. وبينما كان يضرب الأرض الباردة برجليه كان يردد في وهن: وضحية حب نوسة. كانت نوبات الندم الحارقة ترهق عقله وتوشك أن تقوده إلى الجنون.
الوطن أمانة في عنق المواطنين الشرفاء.. والوطنية مسؤولية المخلصين النبلاء..
وهذه المسؤولية تلقي بتبعات جسام على عاتق كل من استظل بسماء الوطن، وتغذى على عن خيراته، وتنسم هواءه، واستشعرت روحه الدفء على أرضه وبين أحضانه.
وكم رأينا من النماذج الوفية التي ضحت بكل غال ونفيس في سبيل الدفاع عن حرمة الوطن، وقدمت روحها راضية مرضية لرد الأذى عن كل ذرة من ثرى أرضه الغالية.
ولعلنا نعلم جميعاً النداء الجميل الذي تهتف به الألسنة تعبيراً عن مشاعرها الجياشة والكامنة في الأعماق: ",نموت.. نموت.. ويحيا الوطن",.
ولكن -للأسف الشديد- تظهر في أحيان قليلة فئة ضالة أغواها الشيطان فأخذت تسيء إلى الوطن، وتقدم العدوه يد العون التي يستخدمونها في ا‘مال البطش والتخريب والهلاك والتدمير.
هذه الفئة الضالة لا بد أن يكون مصيرها إلى التعري والخروج من أوكارها الذرة فتنال عقابها في الدنيا ولها الويل والثبور في الآخرة جزاء ما اقترفته أيديهم من أعمال دميئة جريا وراء حفنة من المال تنفق على امرأة ساقطة أو جرعة مخدرات خادعة.. وغير ذلك من الأمور التي تنم عن ضمير مقتول ونفس أمارة بالسوء.
ويقدم هذا الكتاب مثالاً لواحد من هذه الشرذمة الفاسدة لعل فيه من العبر والعظات ما يثلج صدور المخلصين، ويوضح لجميع أبناء الوطن مآل كل خائن دنئ.