وصف الكتاب
في القرن الماضي ركزت الولايات المتحدة الأمريكية في تعاملها مع الأقليات، علي أن الوطن العربي ليس كما يؤكد العرب دائما أنه يشكل وحدة ثقافية وحضارية واحدة ، بل هو خليط متنوع من الثقافات والتعدد اللغوي والديني والإثني. وقد اعتادت الولايات المتحدة ومعها إسرائيل تصوير المنطقة علي أنها فسيفساء تضم بين ظهرانيها شبكة معقدة من أشكال التعدد اللغوي والديني والقومي ما بين عرب، وفرس، وأتراك، وأرمن، وإسرائيليين، وأكراد، وبهائيين، ودروز، ويهود، وبروتستانت، وكاثوليك، وعلويين، وصابئة، وشيعة، وسنة، وموارنة، وشركس، وتركمان، وآشوريين، وأنه لا يوجد ما يجمعها، لأن التاريخ الحقيقي هو تاريخ كل أقلية علي حدة .والغاية من ذلك تحقيق هدفين أساسيين هما : رفض مفهوم القومية العربية والدعوة إلي الوحدة العربية .
هذا المرتكز الأخير الخاص بالأقليات يعتبر من الأهمية بمكان في فهم واستيعاب الاستراتيجية ",الأمريكية - الإسرائيلية", إزاء المنطقة العربية والتي من خلالها، يتم تشجيع وحث الأقليات في المنطقة على التعبير عن ذاتها، إلى درجة الحصول على حق تقرير المصير والاستقلال عن الدولة الأم، أياً كانت طبيعة هذه الأقليات من حيث الحجم والنوعية، ولا شك في أن مثل هذا المنطق كان هدفه الأساس تأكيد - أو السعي لتأكيد - حقيقة أن المنطقة العربية ليست كما يؤكد العرب دوماً أنها تشكل وحدة ثقافية وحضارية واحدة، وإنما هي خليط متنوع من الثقافات، والتعدد اللغوي، والديني، والاثني. وقد اعتادت ",إسرائيل", تصوير المنطقة على أنها فسيفساء تضم بين ظهرانيها شبكة معقدة من أشكال التعدد اللغوي والديني والقومي ما بين عرب، وفرس، وأتراك، وأرمن، وإسرائيليين، وأكراد، وبهائيين، ودروز، ويهود، وبروتستانت، وكاثوليك، وعلويين، وصابئة، وشيعة، وسنة، وموارنة، وشركس، وتركمان، وآشوريين.. الخ .
انطلقت الولايات المتحدة ومعها ",إسرائيل", في ذلك من الإلحاح على أن المنطقة، ما هي إلا مجموعة أقليات، وأنه لا يوجد تاريخ موحد يجمعها، ومن ثم يصبح التاريخ الحقيقي هو تاريخ كل أقلية على حدة. والغاية من ذلك تحقيق هدفين أساسيين هما:رفض مفهوم القومية العربية والدعوة إلى الوحدة العربية، فتبعاً للتصور ",الإسرائيلي", تصبح القومية العربية فكرة يحيطها الغموض إن لم تكن غير ذات موضوع على الإطلاق .
والسؤال الآن : ما الاستراتيجية التي لجأت إليها الولايات المتحدة في تعاملها مع الأقليات؟
استعارت الولايات المتحدة من الإسرائيليين في مخطط تقسيم المنطقة العربية استراتيجية ", شد أطراف الأقليات ", Tightening the Mino r ity Parties من خلال إثارة الخلافات والنعرات الطائفية وإشعال الحروب بين مكونات الدول العربية، وتمويل تلك الحروب ومساندة الأطراف المختلفة لضمان استحالة العيش في سلام، وبالتالي اللجوء إلى التقسيم الجغرافي، ومن ثم التقسيم السياسي. ولأنه من المعروف أن أضعف أجزاء الجسم هي الأطراف، فإن مخطط تفتيت المنطقة العربية يقوم على استهداف أطراف الوطن العربي، خاصة بما تمتلكه من تنوع قومي وديني ومذهبي، ومن ثم محاصرة القلب", مصر والمملكة العربية السعودية",، بالنزاعات والانقسامات، حتى يسهل التعامل معهم في مرحلة لاحقة، وقد كان تنفيذ هذا المخطط بالسودان تجربة عملية على ذلك، وثبت نجاحه بتقسيم السودان إلى دولتين", .
لقد ركزت الاستراتيجية الإسرائيلية في تعاملها مع الأقليات علي تبني سياسة ", شد الأطراف ثم بترها ", علي حد تعبير بعض الباحثين الإسرائيليين ؛ بمعني ",مد الجسور مع الأقليات وجذبها خارج النطاق الوطني، ثم تشجيعها علي الانفصال ( وهذا هو المقصود بالبتر)، لإضعاف العالم العربي وتفتيته ، وتهديد مصالحة في الوقت ذاته، وفي إطار تلك الاستراتيجية قامت عناصر من الموساد بفتح خطوط اتصال مع تلك الأقليات", ؛ وذلك عبر استراتيجية طويلة المدى تقوم على “شد الأطراف”، ثم تتطور لاحقاً إلى “شد الأطراف ثم البتر”، تعبث أطراف دولية عدة بمستقبل منطقة الشرق الأوسط لإعادة ترسيم حدوده من جديد، وتفتيت الدول ذات الثقل السياسي والموقع الاستراتيجي، بل وتجزئة المجزَّأ منها؛ ", لتصبح المنطقة عبارة عن مجموعة من “الكانتونات” الصغيرة التي يسهل اقتيادها والسيطرة على مقدراتها.. ويتخذ دعاة التفتيت من ورقة “الأقليات” على اختلاف أوجهها مطيَّة للوصول إلى مآربهم المشبوهة، تحت زعم صون الحقوق وإرجاعها إلى أصحابها القدامى بعد أن انتزعها منهم الاستعمار في القرن العشرين، وكذلك حقوق الإنسان ومقاومة الاضطهاد الديني والعرقي، وهي مزاعم براقة ينخدع بها الكثيرون ممن تبهرهم أضواء الثورات والتغيير والحراك الاجتماعي الذي يجتاح المنطقة منذ قرابة الأعوام الثلاث ولا تزال في “مرحلة الفوران”، ولم يتكشف حتى الآن ماذا يختبئ في باطنها! ",
ومن خلال نظرية شد الأطراف عملت إسرائيل علي توثيق علاقات التعاون والتحالف مع أهم الدول المحيطة بالعالم العربي، تطبيقاً لسياسة ",شد الأطراف",، التي استهدفت إقامة ما عرف بـ ", تحالف المحيط أو عقيدة المحيط ", ( وهي استراتيجية سياسة خارجية دعت إسرائيل إلى تطوير تحالفات استراتيجية وثيقة مع الدول الإسلامية غير العربية في الشرق الأوسط للتصدي للدول العربية الموحدة تجاه معارضة وجود إسرائيل)؛ والدول التي توجهت إليها الأنظار: هي تركيا أولاً، وإيران ثانياً، وإثيوبيا ثالثاً. وهو ما اعتبر البعض",الركن الركين في جدار السياسة الخارجية الإسرائيلية",؛ ففي منتصف الخمسينات (في العشرين) نجحت الجهود ",الإسرائيلية", في إقامة علاقات خاصة مع تركيا في مختلف المجالات. بعد ذلك مباشرة بدأ التحرك صوب إيران، الذي أداره فريق من الخبراء ",الإسرائيليين",، الذين كان بعضهم من أصول إيرانية. ولاستكمال بناء صرح ",حلف الجوار", للاستعانة به للضغط على العرب وتهديد أمنهم، جرت اتصالات نشطة مع إثيوبيا، علنية وسرية، لكي تكتمل زوايا المثلث عند مركزه الجنوبي من الوطن العربي، بعدما اكتمل من ناحيتيه الشرقية والشمالية .