وصف الكتاب
يوسف جبرائيل شاهين",، أحد عباقرة الإخراج والتمثيل، في مصر والعالم العربي، والذى قدم أعمالًا لا يمكن أن ينساها الجمهور، حيث يقف بقوة في منطقة كبار مخرجي السينما العالمية إلى جوار فيلينى وكيروساوا وفاسبندر وجودار وغيرهم من العمالقة السينمائيين القادرين على صناعة أعمال كبرى مليئة بدوائر لا تنتهى من الإبداع والقدرة على إدهاش المشاهد، علاوة على أن تعليمه ونشأته كونا لديه رؤية عما يدور في الواقع وشعورا قويا جعله في كثير من أفلامه يتنبأ بما سيحدث في المستقبل مثل فيلمه الأخير ",هي فوضى", الذى تنبأ فيه بحدوث الثورة المصرية ؛ وهو بلا شك يمثل ظاهرة سينمائية، تجسد عذوبته كالنيل الذى لا يشرب منه المرء مرتين ومن أراد أن يبحث في أغواره يغرق في المصب قبل أن يدرك البحر، وهو كما وصفه البعض بأنه ", كالحجر الكريم الذى كلما سقط عليه الضوء عكس ألوانا متعددة، ولكن من أراد أن يكسره ينكسر، ما لم يعرفه أحد حتى الآن أنه كان مثالا ونموذجا لـ",المثقف العضوي", الذى تحدث عنه المفكر الإيطالي اليساري الشهير ",أنطونيو جرامشى",.. ابتسامة مجلجلة كإلهة الأوليمب وأحفاد زيوس من جينات الأم اليونانية، وجبهة عريضة كجبل لبنان من الأب اللبناني، وعيون تتسع لرؤية الحقيقة كوجوه الفيوم",..
آمن يوسف شاهين بالسينما كأداة تغيير قادرة على خلق واقع جديد ومختلف، ورغم الجدل والاختلاف على أفكاره تعد أعماله السينمائية مقياساً للنضج والعبقرية، ولهذا كان معروفاً بجرأته وتمرده على ما هو سائد ومسلم به ولذلك كان يمثل حالة خاصة في الفن والسينما والإخراج وحقق نجاحات كبيرة وصلت به للعالمية. وقدم العديد من الروائع الفنية وشكل حالة خاصة في السينما المصرية، ووصل للعالمية وحصل على العديد من الجوائز، كما كان له الفضل في اكتشاف وتقديم عدد من أهم نجوم الفن، وتعد أفلام يوسف شاهين بالنسبة لقطاع كبير من الجمهور بمثابة لغز يريدون إدراكه وبالنسبة للكثير، وعلى الصعيد الآخر بمنزلة كنز ثمين لأهم روائع تاريخ السينما المصرية، حيث اتفق الجميع على مهارته وابداعه حتى أصبح له مدرسة خاصة في الإبداع السينمائي، فهو المصباح المنير لكل من أراد السير في طريق السينما المبدعة بعده.
وقد عرف يوسف شاهين بمعارضته للإسلاميين ولنظام الرئيس حسني مبارك. ندد بالعنف وبالتعصب السياسي وانحياز وسائل الإعلام الغربية الذي يغذي حسبه الشعور بالكراهية ضد العرب. انتقد الرقابة المحافظة الممارسة من طرف الدولة والمجتمع. ثار على البورجوازية والإقطاع في الخمسينات. لم يسلم من انتقاداته صوت المؤذن ولا شارب الخمر. سخر من الإرهاب والأصوليين، فاتُّهم بالتعالي وعدم الاهتمام بقضايا الجمهور، بل طالته تهمة الردة فوجد نفسه أمام المحاكم بسبب تصويره للنبي يوسف في فيلمه ",المهاجر", في 1994. وهددته الجماعات المتطرفة بالقتل.
مزج يوسف شاهين التطور الفكري والفني بوعيه الاجتماعي والسياسي الذي اكتسبه من ثقافته المزدوجة وسفره في العديد من دول العالم. جاء بأسلوب فني جديد وابتكر لغة سينمائية متقدمة داعب من خلالها التمرد والإثارة والثورة على جميع أحكام المجتمع العربي والإسلامي الذي عاش فيه، فاعتبر مؤرخا وشاهدا على التاريخ.
لم يكتف يوسف شاهين بالتفاعل النقدي في الغالب، مع المستجدات السياسية، في مصر والشرق الأوسط، بل تفاعل مع مستجدات الساحة الدولية كما في ", الآخر ",( 1999) والمصير (1997) و",إسكندرية .. نيويورك", (2004). لقد عالج إشكاليات العولمة والإرهاب والعلاقات المتوترة والإشكالية بأمريكا بحساسية نقدية عالية.
ويقول الفنان نور الشريف الذي عمل معه في ",حدوته مصرية", و",المصير", و",11 سبتمبر", إن ",افضل ما يمكن قوله لوصف تجربة شاهين قبل افلامه ",العصفور", و",الارض", بانه ثوري شيطاني كما عبرت عنه أفلامه الأولى دون أية أبعاد تنظيرية (..) لديه احساس مبكر بتلمس هموم الوطن والمواطنين.. ويضيف نور الشريف ",كان وعيه المبكر بهذه الهموم مدهشا فمثلا فيلم ",نداء العشاق،", كان يحمل دعوة مبكرة للحفاظ على عمال المصانع وتوفير التامين الصناعي الذي لم يكن مطروحا في تلك الفترة في الواقع المصري.. وكان شاهين كذلك مهتما ",بالصراع العربي الصهيوني من خلال الاسترجاع التاريخي للحروب الصليبية في فيلم الناصر صلاح الدين والصراع ضد الاستعمار كما في ",جميلة بوحيرد",، إلا أن وعيه حقق قفزه جديدة بعد الأرض والعصفور أثر احتكاكه وتعامله مع قادة الفكر الاشتراكي في مصر مثل عبد الرحمن الشرقاوي ولطفي الخولي.. وشاهين لا يمكن أن تراه بأي شكل من الأشكال موالياً للنظام السياسي الحاكم أو للرأسمالية، أو الاقطاع او ظلم الانسان للإنسان وهو ما عبرت عنه أفلامه الـ 33 بدءً من عام 1949 مع فيلم ",بابا أمين.. فهو ",حارب الاقطاع في صراع في الوادي والرأسمالية في صراع في الميناء ، وكان التزامه نابعا من موقف أخلاقي إنساني أكثر منه بعد ايديولوجي", .