وصف الكتاب
تعد السيرة الهلالية من أشهر السير الشعبية العربية التي لاقت قبولا واسعا داخل البلاد العربية, فالكثير من تلك البلدان كان مسرحا لأحداث السيرة من الجزيرة العربية لتونس الخضراء مرورا بمصر وخصوصا الصعيد الذي احتضن تلك السيرة وتغني بها شعراؤه ورددتها خلفهم أجيال متعاقبة عبر الحفظ والرواية شعرا وسردا, مغناة علي الربابة أو الطار فقط أو حتي القيام بسرد أحداثها نثرا, ولعل الصعيد بطبيعة تكوينه من قبائل عربية تري من هذه السيرة جزءا من تاريخها المباشر, والأهم من ذلك أنها تحتوي منظومة القيم الحاكمة التي تتبناها هذه الجماعة.
ومن ثم فهي تحافظ عليها عبر ترديد السيرة وتمثل مواقفها وأحداثها في مختلف نواحي الحياة التي تمر بها, لذا تقوم الجماعة الشعبية بانتخاب بعض أبنائها توكل إليهم الحفاظ علي هذه السيرة وترديدها ونقلها من جيل إلي جيل, هؤلاء الذين تنتخبهم الجماعة يجب أن يتحلوا بخصائص معينة بداية من قدرتهم علي الحفظ السريع والقدرة علي إنشاء الشعر وفق النسق الشعبي السائد والارتجال السريع بما يتوافق مع طبيعة الموقف والأحداث بالإضافة لجمال الصوت وقدرته العالية علي التعبير وفق الحدث داخل السيرة وغيره ثم الحضور الخاص وقدرته علي جذب الانتباه لما يرويه، وهنا تتبني الجماعة هذا الشاعر أو ذاك وتعتبره المعبر عنها فهو ابنها ونتاج تربيتها والحامل لمنظومة قيمها والقادر علي التعبير عنها بجمال وإبداع عال.
لعل ",جابر أبو حسين", (3 نوفمبر 1913 - 1992) واحدا من أشهر الشعراء الشعبيين الذين تغنوا بالسيرة الهلالية ليس في صعيد مصر، بل في جميع أنحائها والوطن العربي كله, وربما يرجع الفضل في ذلك للشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي الذي قدم مع جابر أبو حسين عدداً كبيراً من الحلقات الإذاعية عبر الإذاعة المصرية إبان سبعينيات القرن الماضي مما كفل لأبو حسين هذه الشهرة الممتدة, لكن ذلك لم يكن ليتم لولا قدرة هذا الشاعر الفذ وشهرته داخل الصعيد الأوسط قبل لقاء الأبنودي به.
وجابر أبو حسبن هو ابن بلدتي مركز أخميم – قرية آبار الوقف بمحافظة سوهاج، كبير شعراء السيرة الهلالية في الوطن العربي، الحفلات التي كان يحيها العم جابر أبو حسين، وكانت غالبيتها مناسبتها في الأفراح التي كانت تمتد لثلاثة أيام يسرد خلالها الراوي أحد قصص السيرة ذلك التراث الشعبي الخالد الذي كان يسجل من خلال مسجلات شرائط الكاسيت.
والعم جابر، كما كان يحب يناديه الشاعر القنائي الراحل عبدالرحمن الأبنودي، وجابر أبو حسين من أشهر منشدي السيرة الهلالية في العالم العربي. كان يحفظ نحو مليون بيت شعر من القصيدة. كان يقدم نصف ساعة يومياً من السيرة الهلالية في إذاعة ",برنامج الشعب", المصرية بتقديم من الشاعر عبد الرحمن الأبنودي. سجل الباحث الأمريكي جون رينولدز، من جامعة برنستون، عدة مئات من الساعات من أدائه للسيرة.
نعم لقد كان جابر أبو حسين من أعظم رواة السيرة الهلالية، وجميع من قاموا برواة السيرة الهلالية تعلموا منه، فهو يقدم دراما شعبية، وكان رحمة الله عليه لا يتقاضى أجرً وكانت له العديد من المواقف الإنسانية، وكان يحفظ نحو مليون بيت شعر من السيرة، وكان يقدم نصف ساعة يوميًا من السيرة الهلالية فى الإذاعة مع الشاعر عبد الرحمن الأبنودى، وساعدت الموالد والأفراح وجامعيها فى جعل السيرة ملحمة غنائية تجمع التراث المتناثر الموجود حتى الآن وله عشاقه فى الوطن العربى وليس فى مصر فقط
كما كان جابر أبو الحسن هو واحدًا من أهم مؤرخي قصص السيرة الهلالية عبر شرائط الكاسيت في الصعيد، إن مقولة “لولا أنه يخشى حرمة الله، كان رقص الطير في سماه”، والتي كان يرددها محبو الشاعر، لم تأت من فراغ، مشيرًا إلى عذوبة الصوت التي كان يتمتع بها الشاعر وتمكنه منه أدواته فبجانب أنه كان شاعرًا وقوالاً لا يشق له غبار.
علاوة علي فإن أبو حسين كان “حريفًا” في العزف على الرباب، وكان سبيب الرباب يضحي بين يديه قطعة من الحرير ينسج بها معزوفات تجبر أصحاب البنادق على التوقف عن ضرب النار الذي كانوا يطلقونه تحية لأهل الفرح، للاستماع لصوت الشاعر الذي كان يكره عادة إطلاق الرصاص في الأفراح، وكان يردد دائمًا: “بتطرد الملايكة من المكان”، وحرصًا على مزاج الشاعر كانت تنكس البنادق وتخضع رجالة بشنبات وتسيل دموعهم، مثل الأطفال عندما يصل لهذا الموال: “يقول أبوزيد المسمى سلامة جور الليالي يبهدل الإنسان، آهين من الأيام يا كبير بلوتي، تريها الليالي تبهدل الشجعان، بتميل على الأمراء وتهدم فرشهم، وترفع أسافل مالها برهان، وتميل على الأخين تاخد عزيزهم ما تخلي غير الخاين الندمان، كنا بنجد في سرور مع هنا، كنا فى راحة وخصمنا حزنان، جتنا ليالِ شوم لا مرحب بها، خلت دموعي مزقوا الأجفان، ياما ضحكنا وكان البكاء عند غيرنا وادي اليوم بكينا وخصمنا فرحان، فاصبر على حلو الليالي ومرها لما يريد الواحد الرحمن”.