وصف الكتاب
لقد شكَّل الإعلام على مدى عقود طويلة أداة رئيسة من أدوات إدارة الحروب والصراعات، سواء كوسيلة من وسائل الحشد والتجنيد وبث روح البطولة والتحفيز في جنود وشعب البلد الذي ينتمي إليه، أو كوسيلة للحرب النفسية وتزييف الحقائق وإضعاف الروح المعنوية لجنود وشعب البلد العدو. وزادت أهمية الدور الذي يلعبه الإعلام بصورة كبيرة بعد انتشار الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي، حتى أصبح الأداة الأكثر أهمية ضمن ما يُعرف بـ",حروب الجيل الخامس",.
وعلى الرغم من كونها ليست المرة الأولى التي تنخرط فيها أدوات الإعلام وكبرى شركات التواصل الاجتماعي في الأزمات والقضايا السياسية والاقتصادية والإنسانية، إلا أن الحرب الروسية - الأوكرانية كشفت عن جانب جديد وأكثر خطورة من توظيف تلك الأدوات، لعبت خلاله وسائل الإعلام التقليدية وغير التقليدية دورًا مؤثرًا وفريدًا في نقل الحرب من الواقع إلي العالم الافتراضي.
وفي هذا السياق نشرت العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية والمحطات التليفزيونية الغربية مقابلات وتحليلات ومقالات رأي للعديد من الكتاب، ركزت أغلبها على تشويه صورة روسيا، والتشكيك في سياساتها الخارجية وأسباب ودوافع ",حربها", على أوكرانيا.
وبدت شبكات إعلامية ضخمة مثل ",سي. إن. إن", الإخبارية، و",فوكس نيوز",، و",نيويورك تايمز",، و",واشنطن بوست",، وغيرها، كأنها تقود حملة منظمة للنيل من روسيا وشحن الرأي العام العالمي ضدها بما يتجاوز الهدف الخاص بدفعها لوقف الحرب في أوكرانيا أو حتى التعاطف مع أوكرانيا وشعبها في مواجهة ما تصفه بـ",العدوان الروسي", الذي تتعرض له.
وإذا رجعنا إلى نوفمبر 2021 روسيا فجأة أعلنت أنها لا تنوي غزو أوكرانيا إلا إذا تم استفزازاها من جانب أوكرانيا ، وهنا رأينا ممثل روسيا ",ديمتري بولونسكي", في الأمم المتحدة قال أنه توجد استفزازات أمريكية لتحركات سفن حربية بالبحر الأسود ، وهنا رد الإعلام الغربي بتسريبات مخابراتية تقول بأن الرئيس الروسي ", فلاديمير بوتن", يخطط للهجوم على أوكرانيا في السادس عشر من فبراير 2022 ، بينما قالت صحف غربية أخرى أنه يوجد هناك غزو روسي لأوكرانيا وطالبت الدول الأوربية رعاياها أن يغادروا أوكرانيا ، وفي الحادي والعشرين من فبراير 2022 وروسيا تبدأ ما أطلقت عليه عملية عسكرية وليس حرب ، ثم تعلن الاعتراف بجمهورية دونستيك ، وهنا قام الإعلام الغربي أيضا كبداية خلق لنا مناخا تتكون عناصره كالتالي : تنافس يليه التوتر يليه التهديد ثم أزمة ، ثم صراع وحرب .
وهنا نتساءل : من الذي صنع هذا المناخ؟ .. إنه الإعلام ومن ثم بدأت تتبارى كل الأطراف بتشويه صورة الطرف الآخر ، حتى على ألسنة رؤساء الدول الغربية ومعهم الولايات المتحدة الأمريكية أنفسهم .. إذن الحرب بدأت في الإعلام قبل أن تبدأ على أرض الواقع ، وذلك من تمهيدها للعالم كل بمسمي ؛ فمثلا أطلق الإعلام الغربي وصف غزو روسيا لأوكرانيا بأنه عدوان على استقلالية دولة وعلى حدود دولة ، في أن الإعلام الروسي قال أنها عملية عسكرية مؤقتة لمنع الانفصاليين من السيطرة على أوكرانيا ..
وهنا ماذا حدث وماذا فعل الإعلام الغربي؟ .. والإجابة أنه قام بتشويه الصورة على ألسنة أكبر المسؤولين وداخل أكبر الصحف والمجلات العالمية الكبرى ، كما تم وقف قناة روسيا اليوم وسبوتنك لأي منطقة أوربية ، كما حرموا على المواطن الأوربي في أن يعرف وجهة نظر الطرف الآخر ، كما قيل بأنه لا بد من طرد الإعلام الروسي على كافة المواقع وكافة القنوات وكافة المنصات ، بل لقد وصل الأمر في أنهم أجبروا أصحاب الشركات التي تملك التكنولوجيا العالمية والممثلة في الفيس بوك والتويتر ، ففي خطوة أثارت جدلاً واسعًا خلال الأيام القليلة الماضية، صرح آندي ستون الناطق باسم شركة ",ميتا", يوم 10 مارس 2022 في بيان له عبر ",تويتر",، بأن شركة ",ميتا", ستُتيح عبر منصاتها الألكترونية المختلفة استخدام أشكال التعبير السياسي العنيفة التي لطالما كانت تمثل انتهاكًا لقواعدها، وستسمح للمستخدمين بالتعبير عن معارضتهم للهجوم الروسي بكلمات مثل: ",موت الغزاة الروس",، و",الدعوة لقتل القادة الروس",، وهو الأمر الذي ندد به الجانب الروسي، حيث جاءت المطالب بتصنيف شركة ",ميتا", كـ",منظمة متطرفة",، مع الإعلان عن حجب الوصول إلى موقع ",انستجرام", -التابع لشركة ",ميتا",- داخل روسيا اعتبارًا من يوم 14 مارس 2022، حيث صرح مكتب المدعي العام الروسي بـأن ",مثل هذه التصرفات من قبل إدارة شركة ميتا تهدف إلى التحريض على الكراهية والعداء تجاه مواطني روسيا",، وهنا رأينا الإعلام الغربي يدخل منطقة الحجب والمنع ، وقد الهدف من ذلك هو إبراز أن روسيا دولة غازية وعداونية ولديها نزعات تطلعية وتوسعية على حساب استقلالية أوكرانيا وأنها أصبحت تمثل خطرا وتهديدا للمجتمع العالمي ككل .
هذا، فضلاً عن توظيف الغرب للمنصات الرقمية في شن حرب اقتصادية ضد روسيا، من خلال إعلان موقع ",يوتيوب", التابع لشركة ",جوجل",، وإلى جانبه كل من ",فيسبوك", و",تويتر", عن حظر إعلانات وسائل الإعلام التابعة للحكومة الروسية، ومنعها من تحقيق أي أرباح مالية عبر تلك المنصات الرقمية.
ليس هذا فقط بل وصل الأمر من الإعلام الغربي إزاء روسيا أن يبيح استخدام الألعاب والألفاظ العنيفة والتحريضية مثل ", أقتلوا فلان", ، و", أقبضوا على فلان", ، ناهيك عن اللجوء إلى استخدام ", العنصرية", ، فقد انتشر مقطع فيديو لمراسل شبكة ",CBS", الأمريكية وهو يصرح بأن ",الهجوم على أوكرانيا لا يمكن مقارنته بالحرب في العراق وأفغانستان لأن الأولى أكثر تحضرًا، ...",، وتم تداول مقطع فيديو آخر لمراسلة قناة ",أنبيسي", الأمريكية وهي تعلق على أوضاع اللاجئين الأوكرانيين قائلة: ",بصراحة تامة، هؤلاء ليسوا لاجئين من سوريا، هؤلاء لاجئون من أوكرانيا المجاورة، هؤلاء مسيحيون، إنهم بيض",. كما انتشر فيديو آخر لمراسل إحدى القنوات البريطانية، ظهر فيه وهو يتسائل ويتعجب كيف يتم قتل الأوكرانيين وهم أوروبيون، بعيون زرقاء، وشعر أشقر. أما رئيس وزراء بلغاريا كيريل بيتكوف فقد صرح قائلاً: ",اللاجئون الأوكرانيون ليسوا من اللاجئين الذين اعتدنا عليهم، إنهم أوروبيون مثقفون ومتعلمون",.