ملخص كتاب نداء الشعب
المصدر : engzketab
الملخص
1- الصعود نحو المدينة الفاضلة - الجزء الاول
انتهت فترة الانتقال الرسمية بالاستفتاء على الدستور وعبد الناصر رئيسًا، وتراجع الصدام مع الغرب بعد انتصار 1956م السياسي وتدشين زعامة ناصر. وحصل النظام ككل من خلال ذلك على شرعية محلية وإقليمية غير مسبوقة ولا متخيلة قبل تلك اللحظة. أصبح مشروع الزحف المقدس أو الانتقال، أو القوامة الشعبية، أو الزعامة، راسخًا وأمرًا واقعًا. وأُتيحَ لناصر وأعوانه لكي يحققوا ما أرادوا وبشّروا به، وكانوا قد أفصحوا عن إرادتهم بالكامل من خلال الدستور فمنحوا عبد الناصر سلطات مطلقة، وعيّنوا أنفسهم في أهم الوزارات الفاعلة داخل الحكومة، فضلًا عن رئاستها، ليقيموا مع ناصر -مطمئنين إلى تأييد القطاعات الواسعة من الجماهير- (المدينة الفاضلة) كما يرونها، ",المجتمع المُدرّب تدريبًا كاملًا", أو ",الزحف",المتجه قُدُمًا نحو الأهداف الثورية، ولنقُل (الناصرية).
كانت الفترة من 1957م إلى 1959م، بمثابة العصر الذهبي لحكم الضباط الأحرار، فبعد هذه الفترة بدأت مشكلات (الزحف) تتزايد، إلى أن تعرَّضت الفكرة نفسها لتعديل جذري في مبتدأ الستينات، ففي الفترة السابقة كانت المشكلة إقامة النظام السياسي، وخلق مجال سياسي عام (مضبوط ومراقب) لسد عملية (الفراغ السياسي) التي تمت تبعًا للتطهير وتشكيل نموذج الزحف، أما المشكلات التالية فكانت مشاكل مترتبة على النجاح في إنشائه، كانت عواقب سياسات الضباط نفسها وإدارتهم للبلاد. وبصفة عامة طرح الضباط أنفسهم كعاملين في خدمة الشعب، كبديل عن، وكدليل على جدارتهم بتمثيله، فهم يقدمون أنفسهم على أن وجودهم في السلطة هو ضمانة الإنجاز الوحيدة، أيًا كانت سياستهم، التي اختلفت كثيرًا من فترة لفترة. ومن هنا لم تكنْ الدعاية تنسب الإنجازات لسياسة اجتماعية اقتصادية بعينها، بل لفكرة (الزحف)، وأنَّ توحُّد الجموع خلف الضباط هو ضامنُ الإنجاز والنهضة الوطنية وما سواه يُعَدُّ عبثًا، أو على حد تعبير ناصر (خيانة)، ",فالشعبُ هو الثورة، وانتهاء الثورة يعني نهاية الشعب",. وفي قلب هذا الخطاب تأكيد على أن الإصلاح؛ مثله مثل السلطة، أمرٌ مقضيٌ من أعلى، لا يحتاج إلى اتفاق على ماهيته، وإنما ينبني القبول به على الثقة المطلقة في النظام، وبالذات الزعامة، باعتبارها ابنة الثورة، وبالتالي بقيت عمليات دوافع وأخذ القرار غامضة وسرية.
غموضٌ وسريةٌ تجري داخل جماعة صغيرة ومغلقة أدت إلي تفاقم الوهم الأيديولوجي، الذي يعتبر الضباط (أحرارًا)، ويوحي بالتملّك التام، وبأن ما يصدر عن هذه الفئة هو أفضل الآراء، وأصوبها، وبإشاعة شعور عام في البلاد بأن هناك نهضة كبرى يتم تحقيقها، بافتتاح عدة مشاريع صناعية وما يحيط هذه الافتتاحيات بمهرجانات شعبية، وافتتاح أسواق الإنتاج (المعرض الزراعي الصناعي الآن) ومشروع السد العالي الذي بالطبع كان له القدح المُعلّي في نشر هذه الروح الإنجازية، والعناوين البراقة في الصحف التي تصدر بخواطر الضباط ويضيف إليها كاتبوها، ما يزيدها قوّة الشاعرية الإنجازية، تفاقم هذا الوهم كما لو كانوا يسبحون في فراغ اجتماعي وسياسي، أو كأن سكان البلاد ليسوا سوى ",مادة خام",، على حد تعبير ناصر، وبالتالي بدت الشعارات والسياسات على حدٍ سواء، كالأقدار التي تسببت فيها، آلهة لا نستطيع نحن البشر أن نعلم عنها شيئًا عن منطقها (باعتبارها كلية العلم!).
2- الصعود نحو المدينة الفاضلة - الجزء الثاني
وتبقى النقطة الجوهرية في هذا (الوهم) أنه ليس مجرد دعاية، ولا هو كذبة مثلًا، وإنما هو أيديولوجيا، أي (وهم ضروري!)، لأنه نابعٌ من استغلاق نظام الحكم السري، بحيث بدت سياسات الضباط في الحكم وتوابعه، كما لو كانت مجرد اختيار يقوم به الضباط بحرية تامة بناءً على تقديرهم الخاص لوضع البلاد السياسي والاقتصادي والديموغرافي، النابع من (محبتهم) للشعب والوطن بالطبع؛ وبالتالي يصبح هذا الاختيار حرًا تمامًا، وفي نفس الوقت (حتميًا تمامًا)، لأنه ليس سوى التعبير الوحيد والصحيح عن مصالح البلاد ككل، بعد تشكيلها في هيئة (الزحف)؛ فما يصدر عن الضباط، فهو صادرٌ عن الشعب ويرضى به الشعب، بل ويشجعه، وإن كان لا يُعرف عنه أي شيء إلا من جهة الضباط. فالتوحيد بين (البلاد ومستقبلها وبين الضباط)؛ يتجلى تمامًا في خطابهم، بحيث يتم التعرف تمامًا على هيئة نظام الضباط، و(متعة القيادة) هي التي تتيح للسائق أن يعيد تشكيل الشعب وتخليصه من الشوائب بالطَرْق المُستدام، كأنه مادة لا تسمع ولا تفكر ولا تشعر، كينونة عبر عنها لسان النظام وعرّابهم؛ جمال عبد الناصر في إحدى خطبه فقال: ",صناعة الإنسان كأي صناعة أخرى.. والمواد الخام في الإنسان هي: الأفراد.. والأفراد في حاجة إلى عمليات غسيل مخ من رواسب المعتقدات الخاطئة والمذاهب السياسية الدخيلة، وبعد ذلك تأتي مرحلة (الصهر!).. أو مرحلة ملء (فراغ العقيدة) أي أن نضع في عقول الأفراد فهمًا جديدًا للحياة.. وأن نُبصّرهم بالطريق الذي يسيرون فيه وأن نضع لهم الدافع للعمل والهدف الذي يعملون من أجله",. وصفة أشبه بعملية تصنيع الحديد، أو أشبه لوصفة طبخ.
فمن خلال هذه المقولة تتبدى لحظة (الخصوصية) التي أحاط النظام بها نفسه، فبرغم أن الضباط أصدروا دستورًا، وشكّلوا برلمانًا واتحادًا قوميًا، ولخّص لهم عبد الناصر هدفهم المجتمعي- السياسيّ: ",بناء مجتمع اشتراكي ديمقراطي تعاوني",، فقد أجمع رجال النظام، أنه لا تربطهم أي صلة بأي نظرية بنائية أو جدلية قائمة، فنهضتُنا نابعة من أنفسنا، وكذا كل ما يمكن إلحاقه بـِِِ ",نا", الفاعلين، وليس ثمة أي بناء ملموس لأي مشروع ذي إيدلوجيا يمكن تلمُّسها، ففكرة الخصوصية هنا تأتي لتُكمل ثنائية (الحرية الجبرية)، فباعتبار الضباط معبرين عن شعب الزحف، فلن تكون سياستهم سوى أن يتيحوا الفرصة للبلاد لتحدد مسارها الطبيعي؛ وبالتالي لم يكن النظام الذي أقامه الضباط سوى إفراز طبيعي بفضل حالة الطوارئ التي أتاحت ما يمكن أن نسميه (عزل الظاهرة) عن المؤثرات الضارة، لكي ينمو النبات وفقًا لخصائصه (بعد تهجينه بالعزة والكرامة والوطنية وما إلى ذلك)، فهناك ذاتٌ جماعية مبهمة (الخصوصية المصرية أو العربية أو أيًا كانت)، إما أن نفقدها فنفقد كياننا ونخسر كل شيء، أو نجدها فنجد أنفسنا، أو يجدُها لنا نظام حكم مناسب يتفق معها أو يتمثلُها، فتجعلنا بشكل ما ننتصر وننهض، فالخصوصية في هذه الطبعة لا تقوم بتشغيل نفسها بنفسها، وإنما تعمل فقط حين يستوحيها الضباط، وبناءً على هذا الاستيحاء يتم بناء المجتمع الجديد ",زي ما احنا عاوزين!", بنص عبارة ناصر. أو بمعنى آخر: تنطلق حرية الضباط لا من احتكار فكرة متفق عليها أو معروفة، وإنما احتكار قراءة الخصوصية السرية، وبناءً عليه احتكار (تطبيق) هذه القراءة في مشروع إصلاح لإعادة هندسة المادة الخام، وتحقيق العدالة الاجتماعية وبقية مشروع الهندسة.
وتحقيق العدالة الاجتماعية يقوم على مبدأ (عناصر الإنتاج)، التي هي العمل والأرض ورأس المال، فيحصل كلٌ منها على نصيبه العادل، بلا احتكار، وإذا كانت هذه الاشتراكية تبدو غريبة بين المذاهب المعروفة من الاشتراكيات، فإنها كانت مُبرِّرة لفكرة (الخصوصية) التي طرحها النظام؛ حيث كان يشارُ إليها بضمير الملكية ",اشتراكيتنا", وبالتالي فغرابتها هذه مبررة! وكانت فحوى هذه الاشتراكية تلافي الصراع الاجتماعي، ليس فقط عن طريق إعادة توزيع الثروة، ولكن عن طريق إحكام القبضة على أطراف عملية الإنتاج المدينية والريفية، وامتدت القبضة لتشمل التعليم، والصحافة، وجميع ما يمكن تسميته بمجال عام، كما تم ذكره. فالدولة مسئولة عن أن تتدخل في الاقتصاد القومي، فإذا كانت الملكية غير عادلة يجب أن تحدّدها، وإذا كانت المصلحة تقتضي أن يتم توجيه الاستثمار إلى الصناعة يجب أن توجهه، وعلى أساس هذين الركنين (مسئولية الدولة) و (الرأسمال وظيفة اجتماعية)، يصبح إخضاع رأس المال لخطط الدولة واجبًا بديهيًا، والمستفاد من ذلك أن كلًا من حجمه ودوره، بل وجوده من عدمه، مترتب على تقدير فائدته وقدرته، على تحقيق هذين الركنين من وجهة نظر الحكم القائم وبشروطه.
3- الصعود نحو المدينة الفاضلة - الجزء الثالث
4- أزمة المدينة الفاضلة - الجزء الاول
5- أزمة المدينة الفاضلة - الجزء الثاني
كتب اخرى للمؤلف
كتب فى نفس التصنيف