الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله الطيبين الطاهرين.
بادئ ذي بدء، لا بد من التذكير بأننا أمام مسألة مُخْتَلِفٌ فيها بين النفي والإثبات وحتى في الإثبات هناك انكار في عدم الرؤية وانهم في عالم مختلف لا يلتقيان بينهما برزخ، ونحن أمام موضوع قد لا يمكن كشف حقيقته عبر التجربة والفحص والاختبار لان هذا لا يكون إلا بالأمور المادية والمعطيات الحسية المباشرة، القضية هنا هل الجن موجود؟
نحن كمسلمون نقول ما ثبت بالدليل تعبدا , والجن مخلوقات موجودة مكلفة وهذا ما نص عليه القرآن والروايات، نعم وجودهم خفي على الانسان لا يمكن نفيه ولا يمكن إثباته في عالم الإمكان وهو ممكن لا يمكن نفيه اما إثباته خفي لقصور في الإمكانيات , وهناك أمور كثيرة لا يمكن للإنسان الإحاطة بها لأنه محدود المعرفة , لكن يحاول البحث في عالم الماورائيات خارج عالم المادة، ويعتقد وجود كائنات ميتافيزيقية تسمى بالجن لها قوة خارقة وقادرة على فعل أشياء لا يفعلها الانسان والتشكل بالشكل الذي تريده، وبما أن العالم المحسوس الذي نراه ونعيش فيه الغريب والعجيب فكيف بالعالم الخفي عن العيون، نعم لا توجد أدلة علمية على وجود الجن في العلم الحديث وأن أقيمت أبحاث وتحقيقات لكن لم تصل إلى نتائج إيجابية, وكل ما وصل له هو وجود أشياء تحدث بعض الأصوات ورؤية أجسام لكائنات غريبة هي هلوسات ذات صلة بالجاثوم أو بالباركينسون أو بتعاطي بعض المواد المخدرة فضلاً عن حالات نفسية مثل الشيزوفرينيا , لكن النفس البشرية لا تتوقف عند هذا الحد بل هي مجبولة على التنقيب والبحث فيما وراء الطبيعة من عوالم خفية, وبما أنّ العلم لا يثبت وجود الجن ولا يمكن اكتشافه أَذَّن لا وجود له ، وما لم تجده أنت لا يعني أنّه غير موجود, وجهلك بالشيء لا يعني نفيه ,وكما تقول القاعدة العقلية : (عدم‌ الوجدان‌ لا يدلّ علي‌ عدم‌ الوجود) فلو أنّ أحدنا بحث عن شيء فقدهُ في مكان محدد فلم يجده، فعدم ايجاده لا يعني بالضرورة عدم وجوده ، وهو بالأصل موجود، لكن هناك أسباب لعدم العثور او دواعٍ لإخفاء ذلك الشيء، أي وجود أسباب تدعو إلى إخفاء ذلك الشيء، وطبيعة الانسان ما لم يعرفه ينفي وجوده , ولكن الأصل أن عدم العلم بالدليل ليس علماً بالعدم، وعدم الوجدان ليس نفياً للوجود، فكما أن الإثبات يحتاج إلى دليل، فكذلك النفي يحتاج إلى دليل، وإلا فما لم يعلم وجوده بدليل معين، قد يكون معلوماً بأدلة أخرى، لأنه قد يكون ثابتاً بالدليل السمعي، أو غيره , والاستناد إلى وسائل الإحساس وحصر الإيمان بما يُمكن إدراكه من خلالها، هو أمرٌ مجافٍ للمقتضى العقلي، فإن العلم يُدرك أن للموتِ أسراراً ويُدرك وجود الروح وخروجها، ولم يمكنه أن يرصدها أو يرقبها , قال تعالى: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ﴾ ( ) فهذا نعي على كل من كذب بما قصر عنه علمه , نفي الغيبيات كالصفات، والقدر، والملائكة، والجن، وأحوال البرزخ، والمعاد، لعدم قيام دليل الحس والمشاهدة، أو دليل العقل كما يزعم ، لأنه أخبر عن نفسه، ولا يمنع أن يكون غيره قد قام عنده دليل العقل، أو دليل السمع، أو دليل المشاهدة كما وقع ذلك للرسول J في مشاهدة الجن والملائكة وأحوال البرزخ والمعاد.
عادل الزركاني