وصف الكتاب
تجمع المصادر التاريخية المختلفة أن العرب كانت من بين الأمم القليلة التي اهتمت بالخط وأولته عناية خاصة عبر فترات زمنية متباينة من التاريخ العربي الإسلامي، وبرع الخطاطون العرب في تجسيد مواهبهم بكتابة بعض الكلمات أو الأسطر أو الصفحات في الكتب التي صدرت حينذاك وغطت مجالات مختلفة كالتاريخ والتراجم والفقه واللغة وكتب العلوم والفلسفة والرياضيات مستخدمين في ذلك ألواناً مختلفة من الحبر في كثير من الأحيان لإبراز الخط العربي كأحد الفنون التي اشتهروا بها، بل إن المؤرخين والشعراء والأدباء العرب الأوائل اهتموا بذكر أنواع الخطوط العربية وزخارفها وأطنبوا في ذكر محاسنها، وأصبحت جزءاً من تراث الأدب العربي العريق، هذا ولم تكن البحرين بعيدة عن الاهتمام بالخط العربي وزخارفه في العصر الحاضر، فقد برز أحمد عبد الله سرحان كأحد الكتاب المهتمين بالخطوط العربية، وهو يطالعنا بعد كتابيه (حرفنا العربي وأعلامه)، (الكوفي أصالة وإبداع) اللذين أصدرهما في العامين 1988، 1993 بكتابه الثالث الذي نقلب صفحاته والذي جسد في صفحاته رموز الخط العربي في البحرين، مما يجعلنا أمام كاتب تفرد بنمطية معينة في منحى الكتابى ومنعطف التأليف المحلي.
فالكتاب جديد في فكرته، وهو كتاب فني توثيقي يؤرخ الحياة الفنية لـ28 خطاطاً، والكتابة عن هؤلاء لها متعة خاصة ونكهة أدبية متميزة للإنسان البحريني، والقراءة عنهم تزيد من المعرفة بهم والتعرف على شخوص هذا الفن في هذا الوطن عن قرب بعد أن نأى بهم الزمن فصاروا وكأنهم من عداد المنسيين.
بدأ المؤلف كتابه هذا بإهداء إلى الوطن وفاءً لأرضه وناسه الطيبين، وارتكز بحثه على فصلين الأول (الكتابة وأهميتها) والثاني (رموز الخط العربي في البحرين) الذي كان عنوان الكتاب وعليه ترتكز مادة البحث، وفي هذا الفصل تمّ الحديث عن خطاطي البحرين، وقد تمّ ترتيب كل واحد منهم حسب التاريخ الميلادي لكل فنان، وقد اعتمد المؤلف في مصادر معلوماته الأساسية لسير من وثقهم من الخطاطين على مقابلات شخصية مباشرة، وليس بمسلك التحري أو الاجتهاد الشخصي مسجلاً ما قالوه بصدق وأمانة، منهياً هذا البحث بخاتمة ضمنها خلاصة آرائه وتصوراته التي خرج بها بعد إنجازه لهذا العمل، مخصصاً من ثم فهرساً للكتاب وثانٍ للخطاطين البحرينيين وثالثاً للأعمال الفنية ورابعاً للمراجع ليسهل بذلك على القارئ عناء البحث، ويساعده على جمع أفكاره وعدم تشتيتها.
تعتبر البحرين، رغم كونها دولة صغيرة من دول الخليج العربي، واحدة من البلدان التي تلفت انتباه المرء لشدّة ما يحتمل فيها من حراك اجتماعي، وما ينتجه أبناؤها من علامات تدلّ على العمق والحيوية وثراء التكوين الاجتماعيّ. لقد قدّمت البحرين للثقافة العربية المعاصرة عدداً كبيراً من الكتّاب والشعراء والفنّانين لم تقدّمه أي دولة أخرى بحجمها، وبذا استطاعت أن تتجاوز عقدة ",النفط",-إذا صحّ التعبير-وأن تؤكّده مرّة أخرى لنفسها ولنا أنّ الثروة الحقيقيّة هي الإنسان العربي البحريني نفسه، الذي لم يسرقه النفط من ذاته، ولم يشغله عن تأمّل الوجود والانخراط معه في علاقة حميمة.
وهذا الكتاب يكشف لنا عن جانب من جوانب النتاج الإبداعيّ في البحرين. إنّ فنّ الخطّ العربيّ، الذي لا نكاد نجد له ممثّلاً واحداً في بعض البلدان العربية، هو واحد من الفنون التي تشهد ازدهاراً حقيقياً في البحرين، وذلك أم ملفت للانتباه، فبعد أن حقّق الفنان التشكيلي الحبريني حضوراً مهماً على المستوى العربيّ نجد الخطّاط البحريني يقفز، بما يشبه المفاجأة، ليعبّر عن حضوره المتميّز أيضاً والجدير بالاحترام. وهذا الأمر لا ينمّ، فقط، على غنى الإبداع في البحرين، بل ينمّ أيضاً على أن ثمّة جمهورً يعنى بهذا الإبداع ويجعل له قيمة عليا في حياته ويرسّخ، بذلك، دوره العميق في صقل الوجدان وإعلائه وتحضيره.
لقد سبق للمؤلّف أن أصدر كتابين عن الخطّ العربيّ، أوّلهما ",حرفنا العربيّ وأعلامه العظام عبر التاريخ", الصادر عام 1988، وثانيهما ",الكوفيّ: أصالة وإبداع", الصادر عام 1990، وبذا يمكن القول إنّ المؤلّف ذو خبرة بهذا الفن لأنّه ذو اهتمام قديم به، كما يمكن القول أن أحداً لن يستطيع تغطية الحركة الخطيّة في البحرين بأفضل ممّا يستطيع كاتب بحريني له صلة مباشرة بموضوعه.
إن هذا الكتاب ليس مجرّد إضافة إلى المكتبة البحرينيّة. إنّه إضافة إلى المكتبة العربية جمعاء، ولا غنى عنه للخطّاط والفنّان والقارئ العربي أينما كان.