إن هذا الكتاب أطروحة دكتوراه، لم تستكمل نضجها لتخرج من حيز الخمول إلى حيز التجلي إلا بعد ان نسجت حكايتها من صيرورة الروح والجسد، تضافر في إستنبات نويتها وتشكيل صورتها التزاوج بين الأدبي والفلسفي.

تمثل الأدبي في متصوره الجامع المتركز في مفهوم الأدبية التي تمت سفسطته عبر عبور تاريخ وضع نظريات لفن الأدب في الثقافات الكبرى بين العهدين القديم والحديث، إذ تبلور مفهوم لأدبية الأدب تجلى في عدد من الخواص اللغوية وغير اللغوية المتجسدة في دوائر التعبير الكبرى: دائرة الشعر، دائرة النثر الفني ودائرة السرد.

أما الفلسفي فإنه تركز في حقل التصوف بإعتباره ملتقى كثير من التصورات الفلسفية والدينية للإنسان والعالم، عرفت في أحضان الإسلام تنظيراً وإبداعاً بلغاً من الشمولية والجمالية والعمق درجة متقدمة حيث اعتبر التصوف علماً من العلوم الإسلامية الحادثة في الملة كالكلام وغيرها كما قرر ابن خلدون.

كان النص الصوفي المنجز في الدوائر الأدبية الثلاثة محور الكشف عن تجليات الأدبية من خلال نصوص إبداعية لبعض كبار الصوفية المشهورين كابن عربي والنفري والجيلاني والحلاج، وفي مقدمة الكتاب مزيد بيان عن طبيعة النظرية والمنهج المؤطرين لعملية الكشف هاته.

كان الرهان هو المصادرة على أن خاصية الأدبية بلغت في النص الصوفي أقصى درجات الكثافة الممكنة لم تبلغه في غيرها، وأن البلاغة الصوفية بلاغة منفتحة يضبط ساحلها دون إمكان تحديد لججها أضف إلى ذلك كله القول: إن النص الصوفي يخدم أبعاداً أخرى من الجسم الفردي والجسم الجماعي لا يقدمها في تكاملها نص آخر مختلف.

وفي نهاية هذه التوطئة لا يسعني إلا أن أتمنى للقارئ الكريم الإستمتاع بغور الفكرة وجمالية القول وعمق التساؤل ونبل القصد الذي تطرحه أدبية النص الصوفي بين الإبلاغ النفعي والإبداع الأدبي... والله المستعان.

مكناس يوم 20 ماي 2010