وصف الكتاب
لم يشهد فن المسرح الغنائي العربي الحديث عطاءً بمستوى الشمولية التي استمتع بها جمهوره عبر التراث العظيم للأخوين عاصي ومنصور الرحباني ومعهما صاحبة الحضور الاستثنائي في حياة الناس السيدة نهاد حداد (فيروز)، الذي ملأ الفضاء العربي وجزءاً مهماً من الفضاء العالمي حيث يعيش أبناء بلاد الشام بأجسادهم ويشد العالم الرحباني أرواحهم إلى ضيعهم وحاراتهم وجبال ووديان وشواطيء وسماوات أوطانهم الغالية وإلى أهليهم وهموم أحبائهم محرضاً ذكريات حفرتها الأيام والأحداث في أدمغتهم وأفئدتهم.
ليس الهدف من هذا الكتاب البحث في المدرسة الرحباني من الوجهة الأكاديمية ولا هو إثبات عبقرية الأخوين عاصي ومنصور اللذين منهما تراثهما هذه الصفة بلسان الملايين ممن زينت أوقاتهم كلماتهما وألحانهما وأصوات كل من اختاراه لأداء أروع الأعمال المسرحية وأقواها تأثير، وفي مقدمتهم فيروز.
وليس هذا الكتاب ليضيف شيئاً على التراث الرحباني العظيم ولا هو لشرح عناصره ومفرداته، فهي ليست بحاجة إلى ذلك، إنما لتسليط الضوء على ما في هذا التراث من قيم جمالية تسمو بها المشاعر وتتألق معها الوجوه وتصفو بها النفوس وتثور القلوب محبة للوطن والعمل والسلام والتصاقاً بالطبيعة وانتخاءً لفعل الخير.
وبالعودة لمادة هذا الكتاب نجدها غنية للدارسين حين تناولت في أكثر من حقل: أولاً: المسرح: تناولت تقنية الأخوين رحباني المسرحية في رسم بياني واضح لكل عمل على حدة، ثانياً: الشعر: لم يتوقف عند الشاعرية (الموهبة) الرحبانية، ولا عند الشعرية (التقنية الشعرية) الرحبانية، لكنها أبرزت ما في قصائدهما من جمالات وذائقة فنية. ثالثاً: الموسيقى: قرأت الدراسة الفواصل الموسيقية والمقاطع اللحنية في وظيفية لهما ربطت بين النص واللوحات الغنائية والموسيقية. رابعاً: الفولكلور: بينت ما قطفه الأخوان رحباني من الفولكلور التراثي التقليدي، وما جدداه في هذا الإرث اللبناني المشتول منوعاً مغايراً بين منطقة وأخرى في لبنان. خامساً: الغناء: أبرزت ما لصوت فيروز من وقع عبقري في قلوب المتلقين قبل أسماعهم، إضافة إلى أصوات رئيسة أخرى (وديع الصافي، صباح، نصري شمس الدين...) في شقع الأعمال الرحبانية عمارة لبنانية جمالية غير عادية. سادساً: التراكيب التأليفية: أشار إلى النسيج التأليفي لدى عاصي ومنصور الرحباني في تقديم نصهما شعرياً ومسرحياً وتركيباً سيناريوياً ذا نهكة رحبانية خاصة تركت بصماتها على جيل كامل من الشعراء والملحنين والمسرحيين.
وهكذا فقد استطاع المؤلف إضاءة الخصائص التأليفية الرحبانية بإبراز دورهما في إيجاد ",عالم رحباني", خاص، ولدت منه شخصيات وكاركتيرات تعممت (",راجح", للمخرب المقنع، ",هولو", للمخرب التائب، ",فاتك", للحاكم المتسلط، ",غيبون", للحاكم المتهور، ",عطر الليل", لوردة الرسالة الوطنية،...) كما ولدت منه قرى وضيع افتراضية مثالية أفلاطونية تعممت هي أيضاً (",كفر حالا",، ",ميس الريم",، ",جبال الصوان",، ",سيلينا",...)، فيكون خلق شعباً رحبانياً كاملاً ووطناً رحبانياً متكاملاً.
",حين كنا، عاصي وأنا، غارقَين في التأليف، شعراًً وموسيقى ومسرحاً، كنا ندوِّن أفكاراً مسكوبةً في جمال، ولم نكن نَحدُسُ دوماً أو كلياً بما سيكون لها من تأثير على الناس، مع أن همومنا كانت تذهب لملاقاة الناس.
والدراسات التي صدرت حتى اليوم عن الأخوين رحباني، مسرحهما أو شعرهما أو موسيقاهما، تشير-في ما تشير-إلى علامة لافتة توحِّد بينها جميعاً: الصدق في الأداء الرحباني.
الدكتور مفيد مسُّوح، الذي لم يسعدني اللقاء به بعد، حقَّق في هذا السفْر الموسوعي ما قد يكون في لا وعينا، عاصي وأنا، حين كنا نكتب ونكتب ونكتب غير ملتفتَين إلى الشَّذا الذي سيتناثر حولنا من تلك الكتابات.
مفيد مسُّوح لَملَم هذا الشَّذا. في دقَّة عجيبةِ الصَّبر لَملَمَه. بإخلاص عالٍ وحبٍّ كثيرٍ لَملَمه، حتى ليعود إلينا اليوم، من هذه المسرحيات كما أعاد عرضَها على الورق، واضحة الجمال، متقنة الجماليا في الأداء.
مع مفيد مسُّوح أعدت قراءة الأعمال الرحبانية بعينَي القارىء لا المؤلف، فإذا بها على قلم هذا الباحث الأمين إضافةٌ عاليةٌ راقيةٌ إلى الرسالة الرحبانية التي كم كنا، عاصي وأنا، نحلم أن تَبلغَ الناس كما أردناها لهم.
مفيد مسُّوح أوصل الرسالة في أمانة.
يَسلَمُ قلمه النَّضِر",.
منصور الرحباني
يتكون كتاب ",جماليات الإبداع الرحباني", من جزأين يقع كلٌّ منهما في 432 صفحة من القطع الوسط كتب فيه نص المؤلف باللون الأسود بينما جاءت الشواهد ونصوص الحوار وكلمات الأغاني باللون الأزرق.
يستعرض الكتاب مسرحيات الأخوين عاصي ومنصور الرحباني التي قدماها على خشبات المسارح اللبنانية والسورية والأردنية بين عامي 1960 و1977 بمشاركة عدد كبير من الفنانين والفنانات من مغنين ومسرحيين وممثلين وعاملين في الإخراج والإضاءة والديكور والأزياء واللوحات الثابتة والمتحركة وغير ذلك وبالاشتراك مع فرق مختلفة للرقص الشعبي كانت (الفرقة الشعبية اللبنانية) على رأسها.
ويسلط الكتاب الضوء على القيم الجمالية الكبيرة في محاور هذه المسرحيات ونصوصها وموسيقاها ورقصاتها ولوحاتها وفي تقنيات الإضاءة والحركة والديكور وغير ذلك محلِّلاً هذه الجماليات ورابطاً إياها بالمغزى الفكري وبالدور الفني ومبرزاً ما بين المشاهد أو ما خلفها إظهاراً لما قد لا يكون من مهمة المشهد المسرحي إبرازه كلاماً.
الهدف الرئيسي من الكتاب يتلخص بالمساهمة في جهود الأدباء والنقاد والدارسين لإحياء التراث الأدبي والفني للأخوين رحباني ولنقله مشروحاً للأجيال البعيدة عن بيئته وزمانه ولتوسيع رقعة المهتمين به كأدب وطنيٍّ إنسانيٍّ ذي قيمة تربوية عالية إضافة إلى القيمة الفنية الكبيرة.
يصدر الكتاب بمناسبة إحياء ذكرى عاصي الرحباني بتاريخ 21 حزيران 2006، يوم مرور عشرين عاماً على رحيله. قدَّم الكتاب الشاعر الأستاذ هنري زغيب وكتب كلمة غلافه الخلفي الأستاذ منصور الرحباني.
سيقتني الكتاب جميع محبي المسرح الغنائي الرحباني وعشاق الأغنية اللبنانية وملوكها السيدة فيروز والسيدة صباح ووديع الصافي والراحل نصري شمس الدين وغيرهم من عشرات المغنين والفنانين اللبنانيين الذين عملوا في هذا المسرح المتميز والمستمر في جيليه الثاني والثالث مع منصور الرحباني وأولاده وأولاد الأستاذ الياس الرحباني.
وسيلبِّي الكتاب رغبات الفنانين العرب من الممثلين المسرحيين إلى المطربين والمؤلفين والعازفين والفنيين السينمائيين والمسرحيين وكتاب السيناريو والمخرجين بأنواعهم وسيقتنيه أيضاً النقاد والأدباء والكتَّاب والموسيقيون والمثقفون العرب وطلاب الكليات الفنية والأدبية في الجامعات والمعاهد المتخصصة. وسيجد الكتاب مكاناً له فوق رفوف المكتبات العمومية وهيئات حفظ وإحياء التراث الأدبي والفكري والفني. كما سيجد فيه المهتمون بتاريخ منطقتنا وبالمسرح السياسي وبالمسرح الناقد وكذلك العاملون في الصحافة الفكرية والأدبية والفنية مادةً مرجعية معقولة.