وصف الكتاب
بعد دراسة مستفيضة ومعمقة للتاريخ البشري، دون المؤرخ العالمي (توبنبي) نظريته القائلة: إن الحضارات العملاقة في تاريخ البشرية هي نتاج (التحدي) الذي واجه أمم الأرض المختلفة. وتتالت المقولات الحضارية في الوقت الحاضر لتؤكد على صحة وسلامة تلك النظرية، حيث أن منجزات الإنسان العملاقة هي وليدة تحديات نوعية وهائلة.
فمثلاً يحلل المفكرون المعاصرون التقدم الذي تحرزه اليابان في مجالات الصناعة (للأشياء صغيرة الحجم) على أنه رد فعل لتحدي ضيق المساحة، وكذلك الخوف من العزلة أدى إلى تطوير وسائل الاتصال فيها. وتحدي الطبيعة (تواتر الهزات الأرضية) أدى إلى تطوير أشياء خفيفة الوزن سهلة النقل، قليلة الكلفة، سهلة التبديل، وقبل ذلك كله أولد الإسلام (الإنسان الجديد) في فجر تاريخ الدعوة الإسلامية، وألهمه روح التحدي للشروع في تغير ما حوله من قيم سلبية وعادات جاهلية لتكون نقطة الارتكاز في بناء حضاري نوعي.
والكتاب الذي بين يدينا يضم الأبحاث والمقالات التي كتبها ",محمد العليوات", ونشرها في بعض الصحف العربية بين سنة 1987 إلى بداية 1990، ونحسب أن هذه المقالات قد اتسمت بمنهج مدرسة فكرية تدعو إلى المفاعلة والمزاوجة، بين رؤى الإسلام العامة، وواقع الحياة المعاصرة، ذلك حتى لا تبقى مفاهيم الإسلام وقيمه محنطة في عالم اللاواقع، وحتى لا يعيش المسلم غربة حقيقية عن عصره، فينغمس كلياً في ثقافات العصر المختلفة!
إن منهج هذه المدرسة يدعو للاستفادة من منجزات العصر المتنوعة التي تنسجم وحركة الإسلام في الحياة، على اعتبار أن الإسلام مشروع حضاري مستقل. وغاية المراد من هذا الكتاب هو أن يوصل إلى تعزيز الثقة في مقومات المجتمع الإسلامي، وقدرته على تجاوز المشكلات والتحديات المختلفة، عبر بذل مزيد من الجهد الجماعي المنسجم في إطار الحكمة والتفكير الحصيف.