وصف الكتاب
حققت ",الثورة التلفزية", خلال الأعوام العشرين الماضية ثورة غير مسبوقة في مديان إنتاج الصورة وتوزيعها وتعميمها، وذلك باستخدامها تقنية الأقمار الصناعية، بعدما كان ذلك حكراً على الأغراض العسكرية. أدى ذلك إلى تدويل الإنتاج والبث والتصوير، وإلى سيطرة الولايات المتحدة الأميركية على قطاع الإعلام والاتصال لتفوقها التقاني في هذا المجال. حدا ذلك المراقبين على إطلاق اصطلاح ",الامبريالية الثقافية", على هذا التحكم الأميركي الشامل بـطثورة المعرفة", ووسائلها، وخصوصاً الفضاء، خدمة لمصاحلها كقوة عظمى وحيدة تبسط نفوذها على العالم، وتتحكم بمقدراته.
الثورة التكنولوجية التي أدت إلى ولادة الساتلايت، وبالتالي وصول الخبر عبر ثوان قليلة بفعل النقل الحي، جعلت من إطلاق الفضائيات لحظة مربكة واجهها العالم الثالث بمواقف تراوحت بين تبعية مذعورة منقادة، و",مقاومات ثقافية", لا تزال تتلمس طريقها بحذر وبطء شديدين في أرجاء العالم كله.
ولعل أكثر ما يجعل مواجهة هذا الطوفان من البث الفضائي غاية في التعقيد هو جنوحه إلى ",إضفاء صفة التجانس", على العالم كله دون أي اعتبار لمسائل وقضايا شائكة كالهوية والقيم الثقافية والخصوصية والانتماء الثقافي. سبب ذلك هو التعنت في ",عولمة", الثقافة لأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى، أو ما بات يصطلح على تسميته بـ",الاقتصاد الثقافي الكوكبي",، وهو نظام مركب ومعقد ومتداخل غايته تقديم المعرفة مسلعة من جهة، و",موضبة", لخدمة أهداف الهيمنة -سياسية أكانت أم اقتصادية أم عسكرية- بهدف التأثير في الرأي العام وتطويعه، من جهة أخرى.
العرب كغيرهم من الشعوب النامية يواجهون ",لحظة", الفضائيات في الإعلام بتوجس، لكنه في حالتهم تلك توجس ذو طابع خاص.. فتدفق المعلومات العابرة للحدود، والتلفزة بدون حدود -بعدما كان العرب خاضعين لسلطة الإعلام الرسمي- باتا يطرحان أسئلة جدية تتعلق بمسائل حساسة كالأمن والسيادة الوطنية ودور الرقابة. أما الفضائيات العربية التي انطلقت منذ مدة تكاثرت فتتلمس طرائق مختلفة لمقاربة هذه المسائل، ما يطرح مستوى الأداء الإعلامي لهذه الفضائيات على بساط البحث والتدقيق:
إلى أي حد بلغت الفضائيات العربية مستوى مهنياً احترافياً مقارنة بالمستوى العالمي؟ كيف تخاطب هذه الفضائيات المشاهد العربي، وكيف تطرح القضايا العربية؟ هل هناك فضائيات عربية مستقلة؟ هل هذه الفضائيات جدية وموضوعية؟ هل هناك رقابة يشهدها عمل هذه الفضائيات؟ إلى أي حد تساهم الفضائيات اليوم بالنهضة العربية وبالتقارب بين المواطنين في أرجاء البلاد العربية؟ ما تأثيرها في بسط ثقافة :الاستهلاك التفاخري", و",الفن الهابط؟", وكيف تسهم في رفد الثقافة العربية وإغنائها وحمايتها وهي في مهب العولمة؟ وبعد.. ما مسؤوليتها تجاه المواطن العربي؟ وما تأثيرها في صانع القرار؟