وصف الكتاب
ظهرت الدعوة إلى تبني اتجاه جديد في تدوين العلوم في العالم الإسلامي، منذ ربع قرن تقريباً، عبر دراسات عديدة، شددت على: كتابة العلوم من وجهة إسلامية، والأسس الإسلامية للعلم، وصياغة العلوم الاجتماعية صياغة إسلامية، والتاصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية، والتوجيه الإسلامي للعلوم الاجتماعية، وبناء العلوم الاجتماعية على منهج الإسلام، وتأسيس العلوم الاجتماعية على الأصول الإسلامية، وأسلمة المعرفة أو إسلامية، وأسلمة العلوم.
وقد اتخذت طائفة من البحوث التي نشرتها مجلة المسلم المعاصر هذه الدعوات عناوين لها، والتقت بمجموعها في محور واحد، هو محاولة إعادة بناء العلوم الاجتماعية في ضوء المنظور الإسلامي. لكن هذا المحور اتسع في الكتابات اللاحقة، يستوعب العلوم الطبيعية والتطبيقية مضافاً إلى العلوم الإنسانية. فشاع استخدام تعبير ",إسلامية المعرفة", تسمية لمدرسة فكرية إسلامية، انخرط في الدعوة لها، والكتابة عنها، والتثقيف على أفكارها قطاع من الأكاديميين الإسلاميين في الجامعات، ومجموعة من العلماء والمثقفين، وذاع صيتها، وانتشرت إصداراتها في أرجاء العالم الإسلامي، ولم يقتصر دعاتها والمتحمسون لها على طائفة أو مجموعة خاصة، وإنما استعار عنوانها الكثير من المهتمين بإصلاح الفكر الإسلامي، وتأثر بفكرتها آخرون، وإن لم يقتبسوا تسميتها. وقد كانت هناك رؤى لمفكرين إسلاميين حاولت رسم أبعاد فكرة إسلامية المعرفة، من خلال بيان مصادر المعرفة الإسلامية وفضائلها وقيمتها، والكشف عن أن هذه المعرفة تستقي من قراءتين، وتحقق بالجمع بينهما وهما قراءة الكتاب وقراءة الكون، مضافاً إلى اهتمامها بدمج شيء من عناصر فاعلة حية من التراث الإسلامي مع العلوم الإنسانية الغربية، بعد غربلة هذه العلوم وتفكيكها وإعادة تركيبها في نسق جديدة، يحررها من بعدها الأحادي الوضعي الماضي، ويوصلها بمنظومة معرفية ممتدة، يتوحد في إطارها عالما الغيب والشهادة، باتساق يحكي التناغم والإيقاع الموحد لهذين العالمين في الموجود.
على ضوء ذلك يمكن القول بأن إسلامية المعرفة كشمروع لا يهدف إلى التضحية بما هو مشترك بين بني البشر من العلم، بل يهدف إلى تحرير العلم من العوامل الذاتية والثقافية وترسبات البيئة التي أنتج فيها، وتأثيراتها التي تطفح باستمرار بصورة تميزات حادة للمنظور الغربي. أما تقويم مشروع إسلامية المعرفة واختبار أداء تطبيقاتها، فنيبغي أن تولد داخل نسق هذا المشروع، وتتنامى باستمرار مع تطور تجربته واتساعها، ويجدر بالقائمين على هذه التجربة الحذر الشديد من حالة تنزيه الذات المترسخة في كتابات الإسلاميين ومؤسساتهم، ولا سبيل لهم لو أرادوا تعميق هذه التجربة والامتداد بها سوى المراجعة والتقديم المتواصل لأفكارهم وأعمالهم. وبغية تعميم وعي سليم لدى المهتمين بأسلحة المعرفة والقضايا الراهنة للفكر الإسلامي، تحتضن مجلة قضايا إسلامية معاصة في إطار سلسلة كتابها، بعض الأطروحات الجادة التي تناولتة هذه المسائل لعلها تكسر حاجز الصمت وضمور الحوار بين مراكز الفكر الإسلامي. فتوحد قنوات لقاء بين المسارات المتوازية لهذا الفكر في الحوزة العلمية وخارجها.
وذلك أن الهدف الذي ترمي إليه مجلة قضايا إسلامية معاصرة وسلسلة كتابها الرديفة، هو تجسير العلاقة بين ما يستجد من رؤى وأفكار ومشاريع في الحوزة العلمية وخارجها، ولما كان مشروع إسلامية المعرفة أحد أبرز مشاريع إصلاح الفكر الإسلامي في الخارج، فقد وجد أنه من الضروري تقديم خطة إسلامية المعرفة، للقراء من خلال هذا الكتاب، بهدف الاطلاع على مجمل التطورات والمبادئ التي تشتمل عليها، والإفادة منها في استئناف بناء العلوم الإسلامية.