وصف الكتاب
إن الجسد في العملية المعرفية، أداة تعبير عن الإشارات المنبعثة من عمق المخيلة، لها خاصية تجسيد للوقائع التي تعبر عن رغبات وإنفعالات وأفكار تصدر عن فعل الأداء الحركي (العضوي)، وهنا يحصل التطابق بين تجسيد مرئي عن أداء الجسد، وغير مرئي عن طريق رؤى المخيلة المنفعلة.
كان وعي الذات فيما مضى، جماعياً، نتيجة (الإستجابات الإنفعالية) للجسد، والإستجابة، فعل مرمور، ينعكس طرداً عن إنفعال المخيلة، وهو أشبه ما يكون اللغة الظاهرية (الحركة، أو الصورة، او الرسومات البدائية) في الأزمان الوحشية السائدة عند الإنسان القديم، ويمكننا والحالة هذه، حساب الإستجابة على أنها نمط ثقافي محدود المفاهيم في محيط بيئي وتقاليد بدائية، ونكون بذلك أقرب إلى ما ذهب إليه (مارتن هيدغر 1889- 1976م) في مؤلفه ",الوجود والزمان", قوله: (المعية الوجودية القائمة بالذات والآخر) حاول الإنسان تفكيك الرابط الجسدي مع عالم الطبيعة، وحلق تعالق أناسي بين الذات والآخر، وفق تقاليد ثقافية غير محكومة بمعطيات الطبيعة؛ بل محكومة بمعطيات الذهنية (المعقلنة) التي يصوغها التخييل الفني والأدبي والأسطوري والديني والرياضي والدرامي، وتحويل الوعي الجمعي إلى وعي فرداني، تلبية للإستجابات الإنفعالية للعقل، وجعل لغة الإشارة الظاهرية للجسد؛ لغة رمزية باطنية للتذهين المنفتح على فضاءات المخيلة المنسرحة عند الإنسان الحداثي الذي أعلن إستقلاله عن مشروطية الطبيعة وتحرره من روابط البيئة، ومضى يقحم ذاته في مضطرب واسع من الشعور بـ (معية ذهنية) ومحاولة إنفلاته من محكومية الإستغراق في مشروطية الوجود المادي الذي يسلبه إرادته وتأملاته ولذائذ سرحانه وشطط أحلامه وإنزياحه نحو الإنغماس في كينونته البشرية، والحؤول دون الإنغماس في كينونة الذات الوجودية؛ إلا ان سعيه إلى الخلاص من الحتمية الطبيعية، أدخله في مرتهن الحتمية الروحية المحكومة بتقاليد القيم، وعلى رأسها القيم ذات القداسة العالية، ومن المعتقد ان الخلاص الجسدي من المرتهن الطبيعي، حدا بالوعي لأن يؤسس منظومات أخلاقية استندت إلى أفهومات المثالي الرفيع...
مقاربات تتسم بلغة فلسفية يحاول الباحث من خلالها الإقتراب أكثر والمضي في العمق اللغوي والفلسفي لإكتناه لغة الجسد وفلسفته في التراث العربي، ويشير الباحث أنه وبعيداً عن المطبوعات التجارية التي تسوق لموضوعه (لغة الجسد) وينشرها أصحابها بهدف إشباع رغبة بعض القرّاء الذين تستهويهم مثل هذه الموضوعات لدوافع معينة، جهد في لِمَ شتات المادة الأدبية التي كتبت بعيداً عن تلك الدوافع والتي تهم كثيراً من القراء الجادين الذين يبحثون عن المتعة العقلية والثقافية - متعة القراءة الأصيلة - مؤكداً على أنه لم يدر في خلده تصور أي نفع مادي من وراء كتابه هذا، بقدر رجائه تقديم صفحات كتبتها أقلام جادة قبل أن يتحول موضوع لغة الجسد إلى تجارة رابحة لن يستفيد منها سوى بضعة من القراء في سن معينة، مضيفاً أنه كان ينوي إضافة فصل عن موضوعة لغة الجسد في التراث الشعبي إلا أنه وجد أن صفحات الكتاب لن تتسع لموضوع متشعب آخر، فأحجم عن الأمر ليكرس كتاباً آخر هو لغة الجسد في التراث الشعبي...
وأخيراً... أن الإحتفاء بموضوعة لغة الجسد ليس إحتفاء بوضة.... ولكنه إحتفاءً بموضوع له قيمة جمالية وإبداعية، وهو ما حاول الباحث إبرازه من خلال أفكاراً أبرزت الكتابات التي نشرت حوله...