وصف الكتاب
يعد الدكتور أمين الخولي (1313-1385هـ-1895-1966م) واحداً من أهم وأشهر المفكرين المصريين المعاصرين الذين أرسوا دعائم منهج التجديد والاستنارة، فهو أول من رفع شعاره الشهير والسديد ",أول التجديد قتل القديم فهما وبحثا ودراسة، أما إذا مضى المجدد برغبة فى التجديد مبهمة، وتقدم بجهالة للماضي وغفلة عنه، يهدم ويحطم، فذلكم - وقيتم شره - تبديد لا تجديد",، وهذا ما جعله يجتهد وفق اجتهاد عصره ويهتم بجملة من القضايا الدينية المعاصرة ليصبح إمام المجددين.. ولقد كان رحمة الله ظاهر الرجولة، بارز الشخصية في آرائه، معتدا بها معتزا بنفسه وبامتيازه في فكره وعلمه، رصين الأسلوب قوي الحجة، متصل الجدل لا يهين لطوله ولا اللدود في خصمه .
كان أمين الخولي (مع حفظ الألقاب) عظيما في كل شئ : في عقله، وفي رهافة حسه، وفي شجاعته، وفي اعتداده بكرامته، وفي عزة نفسه .. كان رجلا منفتح الفكر يؤمن بكرامة العقل الإنساني، ويثق في قدرته علي اختراق الحجب . وكان أبي النفس، شامخ الهامة، لم يتزلق قط إلي أدني بادرة يشتم منها التزلف، أو حتي التقرب إلي أحد .. خاض أقرانه معارك السياسة، وتلونوا ما شاء لهم الهوي، ولكن الأستاذ ظل عزيز النفس، مؤمنا بمصر وحدها، يترفع عن الاشتراك في مهاترات الأحزاب، ويوجه للشباب منذ أكثر من ربع قرن نداءه الحكيم: ",أيها الشباب آمن بالوطن واكفر بالسياسة ",.. وكان صلب الرأي يؤمن بالمبادئ لا بالشخاص، لا تفلح قوة - كائنة ما كانت – في زحزحته عما كان يؤمن به .. وكان الأستاذ علي صلابته إنساناً عظيما حقا، يوحي إليك شعور الأبوة الحانية الحازمة في آن واحد .. كان كريما جوادا بشهادة كل تلاميذه، واسع العقل .. وكان أكثر أبناء جيله حدباً علي الشباب وعناية بهم، يفتح لهم صدر مجلته ", الأدب",، ولكنه لا يتواني عن أخذهم بالشدة كلما لمس منهم تهاوناً أو فتوراً .. وكان حكيماً قوي العقل، ولا يضطرب لأحداث الحياة، ولا يفلت منه زمامه قط .. وكان شخصيته مزاجاً فريداً من القوة والرحمة .. كان متعدد الجوانب، واسع الثقافة .
كما كان أمين الخولي أديب من كبار حماة اللغة العربية، ومصريا أصيلاً معادياً للاحتلال الإنجليزي مطالبا باستقلال الوطن ومؤمناً بوحدة الشعب العظيم، وابناً باراً للثورة الشعبية الكبرى 1919.. ونُفي مع سعد زغلول إلى سيشل..عُرف بزيه الأزهري المميز، ووقاره المهيب، وبريق عينيه وملامحه المتفردة... وقال عند ",الدكتور لويس عوض",: (كل من جلس بين يديه يتلقى العلم عليه ارتبط به المسحور بالساحر.. من عرفه لا يمكن أن ينساه). كان أمين الخولي يؤمن إيماناًً عميقاً بالشباب، ويؤمن أنهم أصحاب الغد، فدعاهم إلى إيجاد القادة الصادقين . وعاش يفكر في الغد لا في الأمس.. يدفع أبناءه ومريديه إلى العيش في المستقبل برأيهم لا برأي يملى عليهم أو يستوردونه من بلد آخر.. كان من أجهر الدعاة إلى الحرية الفكرية .. ويرى الحرية وسيلة الحياة الكريمة. لقد أخذ منهاجه في أستاذيته عن ",عاطف بركات", من المحدثين وعن ",الإمام الشافعي", من المجددين القدامى. وكان الأساس النظري عنده في الرأي والرأي الآخر: (أن الاختلاف في الآراء والتقاتل على المبادئ من نواميس الحياة على الأرض، وليس ظاهرة تحلل ولا إشار فساد)، وكان يؤمن بوحدة أصل البشرية. وبجودة المصير الإنساني، فلا يصح تداعي بعض الناس في مختلف الأسر بأفضلية تميز، وأجمل زميله وصديقه ",أبو الفرج السنهوري", صـفاته التي تميز بها هذا الأستاذ", (جبار العقل، عميق الفكر، حلو المنطق، قوي الحجة، رصين الكلام، غزير العلم في أدب عظيم).
وكتب عنه تلميذه الشاعر ",صلاح عبد الصبور",: ",كان أكثر ما يؤلمه أثناء الدرس أن يجد طلابه يسلمون برأيه، لا يجادله أحد فيهم، عندئذ تنقطع الدائرة وتخبو النار. أما إذا إرتقت العقول، وإصطرع الرأي بالحجة، عندئذ ينفجر وجه الخولي المقطب، ويشتد لمعان عينيه، وتفيض الفتوة العقلية والذهنية من مكامنها وتتألق الحكمة",. أقرأ أقل