وصف الكتاب
من اشتراطات الإبداع أن يكون لكل كاتب أدواته الخاصة وللكاتب ",حسين الأمير", خصوصيته الروائية سواء من حيث البناء أم الرؤيا أم عوالم السرد. وتبدأ أولى ملامح هذه الخصوصية بالتركيز على الصورة/البورتريه، بما فيها من جمالية التباس تخلق لدى المتلقي تعطشاً شبيهاً بالسؤال الملغز والمعلَّق، في عتبة العنوان الرئيسية «من أنا؟ ...عندما هجموا» والذي تؤوّل معه الصورة بالعديد من الإيحاءات دون تجسيدها حرفياً، أو تصويرها مباشرة. فهي تشكيلات خرجت بالفنان ",سامي الحسين", عن القافية التقليدية في التصوير إلى اكتشاف شعرية الشكل وتعبيرية الألوان ما يعني عودة الفن التشكيلي للمشاركة في الرواية الحديثة ولنكتشف في نهاية المطاف العلاقة القائمة بين العلاف والعنوان ومضمون الحكاية باعتبارها نموذجاً لرواية الأسئلة، التي تتضمن مواقف الكاتب الخاصة من قضايا عامة إنسانية تنسجم مع تصوره الإبداعي وفلسفته الشاملة تجاه وجود الإنسان ذاته بسؤاله ",من أنا؟", وهي فلسفة يفصح عنها في ثنايا عمله الأدبي هذا، والذي يبدو أنه ينهض على معنى جذري تجسده صورة الغلاف وهو انتفاء شروط تحقيق إنسانية الإنسان وتحويله إلى مجرد صورة هلامية شوهتها الحروب وهمجية الأنظمة المستبدة ويفعل ذلك الكاتب من خلال تسليطه الضوء على حياة صحفي عمل في جمعية الشرق الأوسط للأسرى والمفقودين في العراق. يُكلف بالكتابة والنشر عن قصص معاناة ضحايا العمليات الإرهابية؛ فيستحضر أولى صديقين احتوى صندوق ذكرياته على محادثاتهما وصورهما وهما ",إحسان", و",مايا",؛ لذلك قرر أن تكون أول رسالة تُنشر عن هذه القصة... ومع كل رسالة يطلع عليها بقصد الكتابة، كان الراوي/الصحفي يتغلغل أكثر في هذه الحياة، حياة ",إحسان", و",مايا", اللذان نسجا لهما حياة أخرى، في كوكبهما الذي هربا إليه، من واقع مؤلم واقع نفضهما للأعلى وللأسفل، ليلتقيا في لحظة ما، ليُعبرا عن كل اللحظات في لحظة اللقاء ويعيشيا لحظتهما في عالم سماوي آخر بديل عن هذا العالم الأرضي...
من أجواء الرواية نقرأ:
",من أنا؟
كثيرٌ ما كان يأتيني هذا السؤال، يزورني على شكل طائر، يحوم حولي، يرسم دائرة فوق رأسي، يجعلني أسيراً عنده، أنقاد إلى بحر سؤاله، ثم أعود إلى أعماقي نحو قلبي؛ منطلقاً منه إلى أخمص قدمي، ثم معاكساً باتجاه رأسي.
من أنا؟
عندما يأتيني السؤال، أتكور حول جسدي، باحثاً عن نفسي، متحسساً أوجاعي؛ تلك التي دفنت، وتلك التي لا يمكنها أن تدفن، عن أحلام مبتورة؛ كانت في بداياتها هادئة جميلة، لونها وردي؛ لكن ما إن تنقطع؛ حتى تنقلب إلى لون أحمر مسود، يتحول الجمال إلى بشاعة، والهدوء إلى فزع...",.