طردت بقايا النوم عن وجهها بحفنة ماء، السكون يلف البيت والمدرسة وطرقات القرية، لم يكن أحد قد استيقظ بعد سوى أغصان الزيتون المحيطة بالفناء، ظلال الصباح المتثائبة لم تكن قادرة على إطفاء نجوم السماء التي لاتزال منتشرة وسط سياط الظلمة القاسية، تتسلل أشعتها بين ثناياها مثل لص محترف، والظلمة التي تغرس أنيابها في الأشياء، أخذت تضعف قبضتها أمام خيوط الفجر المتسللة. بين صراع الظلمة والفجر، كانت أم فؤاد قد بدأت تتنقل في الفناء تجر وراءها عبء ستين عاماً مضت. اتجهت إلى خزانتها القديمة البالية، خزانة زواجها التي ما زالت قادرة على الوقوف رغم كل عوامل الزمن، تدفن بداخلها كل أسرار شبابها التي ربما نسيت بعض تفاصيلها، لكن تلك الخزانة التي لم تتحرك يوماً دون إذن صاحبتها، ما زالت تعرف كل التفاصيل وتلفها أكثر وأكثر بصمت كثيف.