وصف الكتاب
",أزيم", الحبيبة، يا طفلة في زمان التعب، وجنة حبي القديم الجديد، وروعة كل المصاعب، يا زهرة في الغصون، تعالي أضمُّك، بين سعادة قلب لقلب، أحس بأنك، معنى اللغات، ومعنى الحياة، ومعنى يروق، ومعنىً يصارع كل النفوس، ويعرف وجه الغضبْ، سئمت كتاباً، له ألف معنى، وداراً لها ألف بابْ، سئمت النعوت القديمة، حتى الجديد، سئمت التسمي، باسم العرب، ",أزيم", الحبيبة حكايتنا أننا نبتدي، ونرسم كل الطرق، ونزعم وقت الخلاص، وننشئ أفقاً لآدابنا، ونمحو التراث، وأيامنا بين عمر مضاعٍ، وعرٍ كذب... ",أزيم", الحبيبةُ هل تعرفين البطولات، هل تعرفين الفتوحات، هل تعرفين البسالات، كلُّ الصفات العظيمة، قاموسها من لسان العرب، ومعنى البطولات والفتح في عرفنا، مثل معنى العراق، بحرب الخليج، وقلنا عربْ، ذئاب على أهلنا يا عربْ، وعند العدو ندير الذنب، فماذا؟ سنكتب، والدهر يرسم تاريخنا، وماذا نقول؟ وقد غادر الرشد أرض العربْ، أقول أنا، آدميُّ النسبْ",.
ربع قرن من الزمان بين أول ديوان شعري أصدره الدكتور ",عبد الله محمد صالح باشراحيل عام 1398هـ-1978م، وهو ديوان ",معذبني",، وبين هذا الديوان الخامس من إصداراته الشعرية ",قناديل الريح", وبين هذا الديوان والديوان الأول صدرت للشاعر دواوين ثلاثة هي: ديوان ",الهوى قدري", وديوان ",النبع الظامئ",، وديوان ",الخوف",. والراصد لشعر عبد الله باشراحيل يجد في الديوانين الأولين، بروز الملمح الرومانسي ثم أخذ يتدرج في التحول إلى الواقعية؛ ولا أقصد الواقعية المذهب الأدبي، وإنما أهدف إلى واقعية الحقيقة الكونية.
هذا ما تلمحه على شعره في ديواني ",النبع الظامئ", و",الخوف", وما ظهر واضحاً في ديوانه هذا ",قناديل الريح",. والواقعية الكونية في شعر باشراحيل هي الواقعية التي لا ينفصل فيها عالم الحقيقة الخارجية عن الفكرة، وعن مخزون الأذهان، وملتقطاتها الخارجية. وهي التي ترسم الأشياء، وتصورها في أشكال لا تبتعد كثيراً عن حقائق الأشياء، إلا بالقدر النسبي الذي يتحرك فيه طبع المبدع وميوله الفنية والشاعر عندما يبدع شعراً لا يهمه إلا سرعة القبض على اللحظة الشعورية المحركة للإبداع، ليحيلها إلى معادل موضوعي لها، هو تجربته التعبيرية.
قدّم الدكتور باشراحيل في ديوانه هذا مادة شعرية مفيدة وواسعة تجد فيها المناجاة الروحية المنتمية إلى الخطاب الإلهي، فهو كثير اللجوء إلى الذات الإلهية كلما تأزم موقفه الذاتي، أو الجمعي من الحياة. يجد في مناجاته انفراجاً لتوتراته النفسية، وأملاً في مستقبل أحسن حالاً مما عليه الحال. وقد جاءت مناجاته في قصائد مستقلة، وجاءت كذلك في كثير من قصائد الديوان وفي كثير من موضوعا شعره المتنوعة، ونجد في شعره موضوعات المديح، والرثاء، والشكوى من الزمان، والغناء للوطن، وللذات الخالصة، ولمجتمعه، وأمته، وتجد فيه تأملات في الحياة، والكون.
وقد تنوعت قوافيه تنوعاً لافتاً للنظر، من حيث وفرة تنوع حروفها. وتعددت بحوره الشعرية... كما استعمل الطريقة الإيقاعية المتحررة في بعض قصائد الديوان، وقد طبع هذه المادة الشعرية، مضموناً وشكلاً، بثقافته العربية الخالصة. تلمس ذلك في وعيه بحركة التاريخ، والتحولات الاجتماعية وهضمه مشكلات عصره. فقد أتاحت له هذه الثقافة الواسعة أن يقف على أسباب التطور الحضاري الذي مرت به أمته، ويعرف مكامن المعوقات التي كانت، وما تزال، وتحد من توسيع دائرة ذلك التطور، تلمس هذا كله في شعر هذا الديوان الذي اكتنز مادة معرفية واسعة، استثمرها الشاعر في موقفه من مشكلات عصره، وظهرت واضحة جلية في التعبير عن حاجاته القائمة في نفسه. لذلك لا تخطئك الحقيقة، ولا تند عنها إذا أعددته من الشعراء المنتمين إلى قضايا أمته، وتاريخها، ومعرفتها، ومشكلاتها، وآمالها، وآلامها، ومنجزاتها، وتطلعاتها.