وصف الكتاب
تنبع أهمية البحث من أن موضوع المياه سوف يظل الشغل الشاغل للباحثين وصناع القرار في الوطن العربي وفي العديد من دول العالم، خصوصاً في المناطق الجافة وشبه الجافة، خلال العقود القادمة. والأسباب كثيرة ومتعددة: منها ما هو متعلق بندرة هذا المورد الهام، ومع ازدياد الندرة يزداد التزاحم وتكثر المشكلات، ومنها ما هو متعلق بدور المياه في التنمية الشاملة. ومع ازدياد السكان وارتفاع مستوى حياتهم يزداد طلبهم على المياه بزيادة حاجتهم لها. لكن هناك أيضاً أسباباً سياسية واستراتيجية تتعلق بكون المياه قد تتحول إلى عنصر من عناصر قوة الدول وازدهارها، وهي أحد مصادر التوتر في منطقتنا، وقد تكون الحروب القادمة في العالم بأجمعه هي حروب لأجل المياه، وهنا لا ينكر دور الأنهار الدولية في هذا المجال.
وهو موضوع شائك ودقيق، حيث إن الدول تحرص على المعلومات المتعلقة بالمياه حرصها على المياه ذاتها، بل قد تفوقها حرصاً، فتحيطها بهالة من السرية والكتمان. لذلك، فقد اعتمد البحث على إجراء المقابلات مع المختصين للحصول على أقرب المعلومات والمعطيات دقة، مع تحري الصحيح منها بحسب تواتره إن أمكن ذلك.
تحاول الأطروحة بيان المراحل التي مر بها النهر الدولين ومدى الاختلاف حول مهفومه وتطور المصطلحات والتسميات للحصول على أعلى نسبة ممكنة من الاتفاق حولها وما رافق ذلك من نظريات ناظمة له.
وما هي حقيقة الوضع القانوني للأنهار مدار البحث؟ وهل تتفق مواقف دولها مع القوانين والأعراف الدولية والقواعد القانونية الدولية الناظمة للأنهار الدولية؟ وهي حقيقة قد مرت بمراحل عديدة اتسمت بالتدرج والبطء وما رافق مصطلحاتها من معارضة إلى أن توصلت الاتفاقية الدولية الأخيرة للأمم المتحدة إلى تعريف قد يكون الأقرب إلى الصواب، وما لازم هذا التطور من ظهور لنظريات مختلفة تنوعت بين أقصى التشدد والتمسك بوطنية المياه إلى نظريات مقبولة ومنطقية عادت بالفائدة على مفهوم النهر الدولي.
وقد قسمت الأطروحة إلى قسمين: خصص القسم الأول منها لدراسة التطور الحاصل لمفهوم النهر الدولي منذ العصور القديمة التي لم تعرف النهر الدولي بشكله الحالي لعدم تبلور فكرته، ولكنها تضمنت إشارات قد يستفاد منها، حيث منهت إلحاق الضرر بالغير وعاقبت عليه واهتمت بتنظيم استخدامات المياه وحافظت عليها وبينت أولويات استخدامها، وخير مثال عليها مدونة حمورابي وما جاءت به من تشريعات في هذا المجال.
ومن ثم كان لا بد في القسم الثاني من دراسة التطور التدريجي للقواعد والمبادئ التي تنظم استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية، من خلال مصادر القانون الدولي الأصلية والمساعدة، وذلك لمعرفة القواعد والمبادئ الراسخة في مجال المياه الدولية. وقد أسهب الباحث بعض الشيء في مجال المعاهدات الدولية إلا أن الهدف من ذلك كان لبيان النقاط الهامة التي جاءت بها كل معاهدة، لمسايرة تطور مفهوم النهر الدولي ومبادئه، ولمعرفة القواعد التي تواترت الدول على تبنيها في مجال استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية.
وتلعب الأعراف الدولية في مجال المياه الدولية دور هام، إذ إنها تعكس القواعد التي تنظم استخدام المياه الدولية، وهي تتبدى من خلال الممارسات الدولية عبر السنين، سواء من خلال المراسلات الدبلوماسية الرسمية للدول، أو من خلال مواقفها في المنظمات الدولية. والقضاء والتحكيم الدوليين كان لهما دائماً دوراً هاماً للدلالة على وجود قواعد تنظم استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية.
وكل ذلك لبيان القواعد والأعراف الناظمة لاستخدامات الأنهار أو المجاري المائية الدولية، لمعرفة الأحكام والنظريات الراسخة في هذا الموضوع، ومدى التطور الذي لحق بمفهوم النهر الدولي، وصولاً إلى اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية.
وقد حاول الباحث الاعتماد على الأسلوب العلمي والمناقشة في الأطروحة، ومقارنة الأمور ببعضها كلما أمكن ذلك، وبخاصة في القراءتين الأولى والثانية للمشروع، واتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية. وقد حاول الباحث الاعتماد على الأسلوب العلمي والمناقشة في الأطروحة، ومقارنة الأمور ببعضها كلما أمكن ذلك، وبخاصة في القراءتين الأولى والثانية للمشروع، واتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية، لبيان مدى الاختلاف والتطور الحاصل من خلال مناقشات الدول وتقارير المقررين الخاصين.
وبما أن موضوع الأنهار الدولي هو الهاجس الدائم في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، والأقطار العربية بشكل خاص، فكان لا بد من إسقاط جميع ما سبق على أهم أنهار المشرق العربي، وذلك لتوضيح المبادئ القانونية والقواعد الناظمة لها. لذلك فقد تطرق الباحث بالدراسة إلى نهري الفرات ودجلة، باعتبارهما يمثلان نموذجاً عن النهر الدولي المتنازع عليه بين دوله المتشاطئة، والتب تنكر دولة منبعهما -تركيا- صفته الدولية.
واختار الباحث نخر العاصي باعتباره نهراً دولياً اعترفت دولة لبنان وسوريا بصفته الدولية تلك، بينما بقي الخلاف مع تركيا لأسباب عدة، كما إنه يشكل حالاً عكسية لنهر الفرات، حيث إن العاصي تقع منابعه في لبنان (أي من داخل الوطن العربي)، على عكس الفرات الذي ينبع من تركيا (من خارج الوطن العربي).
أما النهر الكبير الجنوبي، فهو خير مثال على نهر دولي نظمت استخداماته بموجب اتفاقية حفظت حقوق دوله المتشاطئة، وكانت أول معاهدة نظمت بعد صدور اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية.
وتم استبعاد نهر الأردن مع روافده على رغم الأهمية البالغة لذلك النهر، وذلك لأسباب خاصة به من جهة، ولكونه يصلح أن يكون موضوعاً لأطروحة خاصة به، حتى يوف حقه من البحث والدراسة والتمحيص من جهة أخرى.
واعتمد الباحث في تناول أنهار الشرق الأوسط، أسلوباً موحداً لدراسة كل نهر، فكان لا بد من تهيئة القارئ والمراقب، لموقع النهر الدولي، وتحديد المجرى الجغرافي، ومن ثم بيان الروافد والينابيع المغذية له، وما تم إنشاؤه من سدود ومنشآت مائية عليه، لأن كل ما تقدم يشكل أحد العوامل الهامة لتحديد حصة كل دولة من دوله المتشاطئة، إذ يلعب طول النهر، وروافده، وحوضه، والاستخدامات الحالية، والسابقة لمياهه، دوراً هاماً في تحديد وبيان الحصص، لذلك كان لا بد منها، ولو بشيء من الاستطراد، وذلك حتى يكون البحث مستوفياً لأغراضه، كما إن دراستها تعتبر من الأمور الهامة التي ستبنى عليها فيما بعد الأوضاع القانونية لتلك الأنهار الدولية، وكيفية التعامل مع استخدامات واستعمالات مياهها، لبيان مواقف دولها، ومدى انسجامها مع القواعد القانونية الدولية، وذلك للإجابة عن جميع التساؤلات التي تحيط بكل نهر منها، وليكون كل نهر قد استوفى حقه من الدراسة والتدقيق من دون الحاجة إلى التطرق لغيرها.
تنطلق أهمية هذا الكتاب من ",أن موضوع المياه سوف يظل الشغل الشاغل للباحثين وصناع القرار في الوطن العربي وفي العديد من دول العالم، خصوصاً في المناطق الجافة وشبه الجافة، خلال العقود القادمة. والأسباب كثيرة ومتعددة: منها ما هو متعلق بندرة هذا المورد الهام، ومع ازدياد الندرة يزداد التزاحم وتكثر المشكلات، ومنها ما هو متعلق بدور المياه في التنمية الشاملة. ومع ازدياد السكان وارتفاع مستوى حياتهم يزداد طلبهم على المياه بزيادة حاجتهم لها. لكن هناك أيضاً أسباباً سياسية واستراتيجية تتعلق بكون المياه قد تتحول إلى عنصر من عناصر قوة الدول وازدهارها، وهي أحد مصادر التوتر في منطقتنا، وقد تكون الحروب القادمة في العالم بأجمعه هي حروب لأجل المياه، وهنا لا ينكر دور الأنهار الدولية في هذا المجال",.