وصف الكتاب
يبدو أن معرفة التقنية هي من أهم شروط الترجمة، وعلى الأخص ترجمة شكسبير. فالمعروف أنّ كبار شرّاح هاملت من المتخصصين الإنكليز يسترشدون بآراء من سبقهم، وبطروحات معاصريهم، قبل أن يجتهدوا. لذا فالطبعات الكثيرة لهاملت بمحررين مختلفين تتنافس فيما بينها في الشروح والهوامش للأخذ بيد القارئ الإنكليزي، مثقفاً كان أم قارئاً؛ عادياً أم تلميذاُ. المترجمان العربيان: ",جبرا", و ",القط",، لم يأخذا بيد أحد، تجاهلا تقنيات شكسبير في التأليف المسرحي وفي القول الشعري، هل عن لا دراية؟ من يدري!
جاءت اجتهادات ",جبرا", على وجه الخصوص؛ مثيرة للاستغراب، مثيرة للحيرة. ربما اعتمد على معرفته الأدبية للغة الإنكليزية وتصوّرها كافية لتعريب شيكسبير. لو استشار المصادر الإنكليزية المتخصصة لجاءت ترجمته أكثر مقبولية. اللغة الأدبية وحدها مضللة في ترجمة شكسبير، لأنه شاعر مفاهيم، وكلماته مصطلحات. لا عجب إن صدر كتاب كبير عن دار بنغوين بعنوان ",ألفاظ شكسبير",. باللغة العربية تلك، راح القطّ وجبرا يترجمان هاملت كلمات وجملاً منفصلة، وليس تأليفاً سمفونياً، تكمّل آلاته بعضها بعضاً. على سبيل المثال، لم يلتفت المترجمان إلى أهمية تكرار الكلمات والصور، ومادلالاتها. ما يفعله شكسبير في هذه التقنية أنه يضع كلمة، مصطلحاً على لسان أحد الأبطال. تعود الكلمة – المصطلح على لسانه أو على لسان بطل آخر، في مشهد آخر، وكأنها صدى، ولكنه سرعان ما يصبح هو صوتاً ذا دلالة مختلفة، بهذه الطريقة يبدو النصّ متواشجاً عصوياً، وينمو نموّاً داخلياً. يقول سدني بولت Sydney Bolt ، في معرض تحليله لرثاء أوفيليا: ",ليس من المستغرب أن لا تُفهم حادثة في مسرحية ما بمعزل عن بقية الحبكة. ولكن ما هو مستغرب، أنّها ينبغي أن توصل ببقية المسرحية بواسطة علاقات أخرى لا علاقة لها بالعلّة والمعلول، متوحدة مع مظاهر عرضية لإنتاج إيقاع مرن كامل “ Hamlet – A Critical Study” بكلمات أخرى يكون فهم العبارة أدق إذا فُهمت ضمن بيئتها، ويكون فهم النص أعمق إذا عومل كوحدة متضامّة، مثل لوحة رسم لا يمكن تجزئتها. هذا، ويشير معظم الشرّاح الإنكليز إلى المرّات التي ذُكرت فيها الكلمات المعادة، إلّا أنّ ",جون إف، اندروز - Jon F.a ndrews", وهو من أهم محرري هاملت، وأكثرهم تفصيلاً. لم يلتفت بعض المترجمين العرب، ربما بتأثير عقليتنا التجزيئية، إلى تقنية تكرار الكلمات. الأغرب أنهم ترجموا حتى الكلمات المعادة بكلمات هي غير ما ترجموها في المرات السابقات [...].
ضمن هذه المقاربات، ومن خلال رؤية نقدية للمعرّب من أعمال شكسبير، ولترجمة كل من ",جبرا", و ",القطّ", على وجه الخصوص، يستهل المترجم ترجمته لمسرحية شيكسبير ",هاملت", أمير الدنمارك، حيث يورد فقرات من أعمال كلّ من ",جبرا", ",والقطّ",، في محاولة للتعرف على بعض تقنيات شيكسبير التأليفية، وكيفية توظيفها في الترجمة، إذ، وكما يذكر، أن ترجمة أعمال شيكسبير تفضي بأن يتمتع المترجم بتضلّع من اللغة الأم، والإلمام الكافي باللغة المترجم عنها. غير أن ذاك التضلع وهذا الإلمام لم يكونا، برأيه، كافيين، علمياً، فيما أورده كنماذج. من ترجمات عربية لمسرحية هاملت لشيكسبير. هذا وقد اعتمد المترجم في شروحه ومقارناته، في هذه الدراسة النقدية على مختلف نسخ هاملت. أما الاجتهادات في تقنيات الصور الشعرية خاصة، وتقنيات شيكسبير عامة، فقد كانت بمثابة اجتهاد شخصي منه.