وصف الكتاب
مصنف هذا الكتاب هو محمد بن موسى بن علي الكمال الدميري الأصل القاهري الشافعي، كان اسمه كمالاً بغير إضافة، وكان يكتبه كذلك بخطه في كتبه ثم تسمى محمداً وصار يكشط الأول، وكأنه لتضمنه نوعاً من التزكية مع هجر اسمه الحقيقي. أما مولده فكان في القاهرة سنة 842هـ، حيث عمل بالخياطة، من ثم أقبل العلم، فسمع جامع الترمذي على مظفر الدين العطار المصري، كما سمع بالقاهرة من عبد الرحمن بن علي الثعلبي، ومن محمد بن علي الخزاوي: كتاب ",الخيل", للحافظ شرف الدين الدمياطي عنه.
كما سمع ",العلم", للمرهبي، وفي مكة المكرمة، سمع من الجمال محمد بن عبد المعطي: صحيح ابن حبان، وغير ذلك. وسمع فيها سنن ابن ماجه، ومسند الطيالسي، ومسند الشافعي، ومعجم ابن قانع، وأسباب النزول للواحدي، والمقامات الحريرية وغير ذلك، وممن أخذ عنهم الشيخ بهاء الدين أحمد بن الشيخ تقي الدين السبكي، وقد أجاز له النويري أبو الفضل كما الدين بالفتوى والتدريس بناء على طلب السبكي.
وقد برع الدميري في التفسير والحديث والفقه وأصوله، والعربية والأدب، وله تصانيف في العلوم المختلفة كمنها: ",الديباجة، في شرح سنن ابن ماجه",، أرجوزة في الفقه، التذكرة، وحياة الحيوان الكبرى، وهو هذا الكتاب الذي بين أيدينا، والذي تشكل مادته موسوعة في أسماء الحيوان وأنواعها وأخبارها فقد جمع فيه مصنفه ما لم يخطر ببال، من أبناء حول عالم الحيوان ابتداءً من الأسد إلى اليعسوب، فكان محتواه للغوي مرشداً لتاريخها وصفاتها وطباعها وأخلاقها وحياتها، وللمتأمل، أولاً وأخيراً، في صفة الخالق بياناً أكبر على عظمته وإبداعه في مخلوقاته.
وتسهيلاً على القارئ فقد رتب الدميري، كتابه على حروف المعجم، فضمنه من أسماء الحيوانات ما تنامى إلى سمعه، ومن مصادر كثيرة ومختلفة تتراوح ما بين كتب يونانية وعربية قديمة أو ما كان ترتيباً لعهده، الذي اطلع على تلك الكتب المتخصصة في عالم الطب والحيوان، ووعى ما فيها، وطرح جانباً ما لم يقتنع به، وأقر ما رأى عليه إجماعاً لدى العلماء، ومع حذره الشديد، فإنه قد أبقى على معلومات كثيرة، غريبة وعجيبة، ولكن نقلها على ذمة أصحابها وناقليها، فأيد كل مروياته بإسنادها إلى رواتها، بالتسلسل وصولاً إلى المنشأ الأساس، ولم يفته أن يرد حيث يقتضي الأمر على الأغاليط.
أما طريقته في عرض المعلومات، فإنه يبدأ بوصف الحيوان، بعد أن يضبط اسمه ضبطاً تاماً بالشكل، ويعرف بالأصل اللغوي له ويقدم بعد ذلك عرضاً لبعض الأخبار والمرويات التي تدل على طبائع ذلك الحيوان، وفي هذا الإطار يستحضر طائفة من الأحاديث النبوية الشريفة أو الآيات القرآنية الكريمة التي لها علاقة بالموضوع، فضلاً عما جاء حوله من أشعار قديمة، وأمثال وحكم.
ثم يورد ما قاله الفقهاء في شأن الحيوان المذكور من حيث الحكم الشرعي في أكله أو عدمه، يؤيد ذلك بالأقوال المختلفة، وبأحاديث نبوية وآيات كريمة، وينتهي إلى ذكر الخواص الطبية من المنافع والمضار من لحم ذلك الحيوان أو غيره.
وبالنظر للأهمية التي احتلها هذا الكتاب فقد اعتنى أحمد حسن بسج بتحقيقه فإهتم بضبط نصوص الكتاب وبوضع علامات الوقف، والحركات المناسبة في أواخر الكلمات حيث وجد لزوم، ثم حدد بدايات للمقاطع والفقرات، وانتقل بعد ذلك إلى تحقيق الكتاب بتخريج الأبيات الشعرية من مصادرها في الدواوين، وفي أمهات كتب الأدب والتاريخ، وخرج الآيات والأحاديث النبوية كما خرج أمثال الكتاب وعرف بأعلامه وخصوصاً الشعراء، بإشارات سريعة.
الدميري من تلامذة التقي السبكي وقد أجاز له النويري بالفتوى والتدريس بطلب من السبكي وله مصنفات في الفقه والحديث والادب. أما كتابه هذا فهو الموسوعة الشهيرة في الحيوان رتبها بحسب اسم الحيوان على حروف المعجم فيضبط اسمه ثم يصفه ويبين شيئا من طبائعه ويورد أحاديث فيه إن وجدت، وأشعار العرب ويختم ببيان كلام الفقهاء في حل أكله أو حرمته ويورد معلومات طبية متعلقة به . وقد يستطرد أحيانا الى ذكر بعض الفوائد حتى بلغ استطراده في ", الإوز ", في أن كل سادس قائم بأمر ( سياسة ) الامة مخلوع مبلغا تكلم فيه عن الخلفاء الراشدين الى السلطان مراد بن سليم بن سليمان في نحو خمسة وسبعون صفحة . فالكتاب موضع فائدة شرعية طبية أدبية.