لیس من أھدافي أن اكتب شارحا تاریخا للخط ، ولا أن أتوسع في تفرعاتھ ، فإن في ذاك الكتب الكثیرة
التي لا حاجة لأن أزیدھا كتابا ، إنما مبتغي اجتھادي أن أقدم طریقة جدیدة لتعلیم الخط العربي ، بعد أن وجدت
الطریقة السائدة ھي الطریقة التقلیدیة التي اتبعھا الأقدمون ، وھي طریقة أفرزتھا ثقافتنا العربیة في عصور
معینة كانت نتاجا لظروف تاریخیة ، فقد كان التعلیم - وإلى زمن لیس بالبعید - یعتمد نظام الكتاتیب ، فھناك
معلمو الصبیان الذي یقتصر تعلیمھم على القراءة والكتابة والحساب والعلوم الدینیة وبعض الأدب ، كمستوى
أولي في التعلیم ، ولكن إذا ما أراد الطالب أن یتخصص في مجال القراءات أو الحدیث أو الفقھ أو غیرھا فإنھ
یلجأ إلى عالم متخصص لتلقي العلم على یدیھ ، ومشیا على ھذا الأسلوب المباشر بین التلمیذ وشیخھ ، وھذا
القرب الجسدي والنفسي ،كان التعلم أكثر حمیمیة وأكثر جدوى .
وتعلیم الخط أیضا جرى بھذا الأسلوب المباشر ، فالتلمیذ یجالس الخطاط ، ویشرف علیھ عن قرب ، ینظر
إلى إمساكھ بالقلم ، وحركة یده والتزامھ بالقواعد ، وجمال التركیب ، وبذلك تكون ھذه الطریقة مثلى في ظل
ظروف اجتماعیة وسیاسیة واقتصادیة ، فلم یكن المتعلمون یشكلون كثرة تصعب على المعلم احتواؤھا ، ذلك
أن عدد المعلمین یتناسب مع عدد المتعلمین ، وغیر ذلك فإن تعلم الخط وإجادتھ كان یحظى بالثناء والتمجید ،
أما وقد تغیرت الظروف إذ أصبح التعلیم إلزامیا ، وتبنى لھ المدارس ، وتزود بعشرات الألوف من المعلمین ،
ما عاد ممكنا تأھیل معلمي اللغة العربیة أو الفن لھذه المھمة ، لذلك تراجع الاھتمام بھذا المجال ، وتراجعت
أھمیة الخط إلى الحدود الھامشیة ، حتى وجدنا من یجد علاقة بین العبقریة وسوء الخط ، وجاءت ثالثة الأثافي
بأن دخل الكمبیوتر مجال التعلم والتعلیم ، إذ أصبح الطالب یستعمل الطباعة بدل الكتابة بالید، وإن احتاج
لموضوع لا یتكلف عناء نسخھ بالقلم مھما كانت جودة خطھ ، إنما یلجأ إلى سحب صورة عن المادة التي
یریدھا، وكفى لله المؤمنین شر القتال .
لذلك فإن ھذا الكتاب ما ھو إلا محاولة لسد ھذه الثغرة ، أو ملء النقص الفاحش من مجیدي ھذا الخط من
المعلمین ، وعرض جمالیات الخط تحبیبا لھ في ذائقة المتعلمین ، فھو واضح تماما للمعلم والمتعلم على حد
سواء .