ابن الرومي، شاعر من شعراء العصر العباسي المولدين، النازعين إلى المتعة بكل مباهج الحياة وبهرجها، المغرمتين في اللذة حتى النشوة، والناشدين اللهو وأطايب الحياة، وإن كان يختلف عن البعض فهم، بقلق ينتابه وهو في ذروة اللذة، فيميل به إلى سويداء، تجدبه، إلى تشاؤم ينسى معه كل ما حوله، ويصبح شخصية نقيضة تلك التي كان عليها، في لذته ومرحه.

وضاعف من وقع ذلك القلق في نفسه، ما نزل به من كوارث وفواجع في حياته، فقلب عاليها أسفلها، وجعله في فقر موقع، بعد أن كان في سعة من العيش، وبحبوحة تيسر له ما يحتاجه ويشتهيه. ولا غرابة بعد ذلك-أن يصبح ذا نفس مريضة، تجعل منه جسداً مفرط التضجر بما حوله، مرهقاً بشتى الوساوس، التي تجعله في خوف دائم، يثير من نفسه تخيلات أشباح النحس.

والشعر مع ابن الرومي يختلف اختلافاً ظاهراً في بحبوحة من العيش، يعصره ألم البعد عن عشيقته، فتتمنى لو أن تلك الحبيبة استجابت لتشبيبه لها، ونعمت بالعيش الرغيد إلى جانبه. وهو يصور الغواني والمغنيات في بيوت اللهو والطرب، وكأنه عاش حياته كلها في إنفاق وسعة، ومن حوله أصحابه وخلانه، الذين يصرف عليهم من سعة ثروته وأما شعر الرثاء عنده فيؤدي رسالته على أكملها، ويرينا صورة ابن الرومي على حقيقتها، التي تحظى بنوع من المشابهة فيما بين موت أولاده، وخسارته لأملاكه، إذ جعلاه يفطن إلى معنى الخسارة الكبرى. وكذلك هي الحال في شعره المصور تصويراً صادقاً لصفاته وأخلاقه. فكأنما هو قد أعطي نفسه ليراقبها، ويدوّن تجاربه فيها. وهذه الدراسة التي نحن بصددها-تتناول النصوص الشعرية التي حواها ديوان ابن الرومي كأساس لها، ومن ثمة تتوسل بالمصادر والمعلومات الخارجية الأخرى لتنيره، أو تتعمّقه، وفقاً لوضوحه، أو التباسه بذاته. وهدفها الخصوص في أعماق الأبعاد النفسية التي نفذ إليها ابن الرومي وإبراز قيمة شعره، أمام غيره من الشعراء. وهي بشكل عام تنقسم إلى ستة فصول تناولت الموضوعات التالية: الفصل الأول: الشاعر من خلال عصره. الفصل الثاني: ابن الرومي مولده، نشأته، مكان إقامته. وصفه الحاوي، مظاهر شخصيته، تشاؤمه أوهام الخوض والاضطهاد، صراعة مع القدر. الفصل الثالث: شعر ابن الرومي. الفصل الرابع: شعر الهجاء. الفصل الخامس: شعر الرثاء. الفصل السادس: متفرقات من شعره.