وصف الكتاب
",حين فتحت عيني وسط الظلمة لم أتعرف على الوقت تماماً لكنني أدركت أنه ليل، أشعلت النور ونظرت إلى ساعتي، كانت قد تجاوزت العاشرة بعشرين دقيقة، وأحسست بما يشبه الدوار يلف رأسي: هل قابلت بهجة الصباح فعلاً أم أنني أضعت موعدي معها؟ صنعت فنجاناً من القهوة، ودخنت ثلاث سجائر، حاولت استعادة ما رأيته في المنام، لكنني لم أتذكر إلا تفصيلاً واحداً هو أن قلمي الذي استعمله في كتابة مسودة روايتي قد جف حبره. بحثت عن القلم وجربته فوجدته سليماً ولم أعثر على تفسير لهذا المنام غير أن مخيلتي ستجف رغم أن الشخصيات والأحداث كانت تطاردني في كل مكان أتواجد فيه، وكدت صدق أنني روائي فعلاً، وأكثر من ذلك راودني إحساس أنني سأفاجئ الأوساط الأدبية بـ ",يتيمة الدهر", دون أي وازع من ندم، لا بل ساقتني أوهاني إلى جبال أكثر وعورة، ووضعتني وجهاً لوجه مع ",قارئي العزيز", بوصفي ",ذلك الخالق السحري للنص الذي يتمتع بتجميل غامض لدى القراء الجدد الذين يحترقون شوقاً للالتقاء شخصياً ولو مرة واحدة على الأقل بذلك الصانع،... كدت أضيف اسم روايتي في نهاية هذا السطر لو لا أنني لم أقع على عنوان مناسب لهذيانى اليومي إلى الآن",.
وفي النهاية وقع خليل صويلح على عنوان لروايته فكان ",وراق الحي", وكانت الرواية بسردياتها اللطيفة مستودعاً أدبياً لمقتطفات من مجموعة أعمال أدبية لكتاب عرب وأجانب. وكأنها الجولة الفكرية التي أعطت للرواية نكهة متميزة محبة.
يأخذ الكاتب القارئ إلى عالم الكتابة لإشراكه في همه عن طريق كتابه روايته الموعودة. يأخذه على عجل والقارئ يترقب بدء الأحداث التي تخترق سرديات الكاتب اليومية وعند منعطف ما يدرك ذاك القارئ بأن محاولة كتابة الرواية والأحداث التي استصحبتها والتقاطع الأدبي المستحضر لمشاهد روائية من أعمال أدبية مختلفة المشارب والمذاهب والمواقع ما هي إلا الرواية المزمع كتابتها وبالأحرى نسجها. لن يحل القارئ البتة إلا أنه سيفرق في عالم خليل صويلح متغلغلاً في سطوره، مقتطفاً الفكرة تلو الفكرة، والمعلومة تلو الأخرى إلى آخر سطر.
نادراً ما أعجب برويات الآخرين خصوصاً تلك المثقلة بالتاريخ والحروب وكأنها كتبت لإلحاق الأذى في نفوس القراء, وصار لدي خبرة لا بأس بها في اكتشاف الرواية الرديئة من غلافها ربما, أو من اسم كاتبها, أحياناً من عنوانها. وهكذا في جولتي على المكتبات كنت أكتفي بنظرة سريعة أكتشف خلالها الرواية التي تستحق القراءة, إذا لم أقل أشم رائحتها فوراً... نهضت من مكاني وجلست أمام شاشة الكمبيوتر بحماس: أكتب مدفوعاً بلذة القص, وهي الحالة الإنسانية التي أكثر ما تكون شبهاً بالتحليق. كما قال ماركيز ذات مرة دون أن أفكر أين كانت الحياة تنتهي وأين كان الخيال يبدأ. ومثل إلهام سماوي جاءني عنوان روايتي الذي طالما أرقني خلال أيام الكتابة, فكتبت في الصفحة الأولى التي ظلت بيضاء, بدون وجل أو تردد: (وراق الحب).