وصف الكتاب
شرف الله تعالى اللغة العربية بالقرآن الكريم وحفظها به، وهيأ لحفظها أسباب الإشتغال بعلومها، فاهتم أبناؤها بحروفها ومفرداتها وتراكيبها، وبمعانيها ومبانيها ودلالة ألفاظها.
وقد هيأ الله تعالى رجالاً قاموا على هذا العلم خير قيام، وكان على رأس هذه الثّلة الإمام أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري، المتوفي سنة 538هـ، مصنف كتاب ",المفصّل في صنعة الإعراب",، ولشدّة أهمية، تنافس فيه جملة من العلماء بالشرح والإختصار، من بين هذه الشروح ",المحصّل في شرح المفصل", لأبي محمد القاسم علم الدين بن أحمد بن أبي السداد الموفق بن جعفر اللّورقي الأندلسي (575- 661هـ) الذي يُعدّ من أجلّ الشروح؛ لما حواه من فوائد نحوية، ونفائس وفرائد ونصوص ندر أن يتضمنها سواه، ومن تقسيمات يخلو منها كتاب الزمخشري، ولمائحني به من التعليل والتمثيل والمناقشة والإيضاح.
وبالعودة، فإن الزمخشري مؤلف كتاب ",المفصّل في صنعة الإعراب", هو أبو القاسم محمود جار الله بن عمر بن محمد بن عمر، وقيل ابن احمد الخوارزمي الزمخشري، لُقّبت بجار الله لمجاورته قلة زماناً، والزمخشري نسبة إلى ",زمخشر", قرية من قرى خوارزم.
ولد في زمخشر سنة 467هـ، قطعت رجله وهو صغير، ولم يمنعه ما أصابه من الترحال لطلب العلم وهو صغير، فتنقل في البلدان، نزار بخاري وبغداد واليمن وجاور في قلة مرتين ثم عاد إلى الجرجانية (من قرى خوارزم) ووفد إليه طلاب العلم وأفادوا عنه، برع الزمخشري بالأخذ عن كوكبة من علماء ع صره ممن لقيهم في بلده أو في أثناء رحلته في طلب العلم.
وقد برع في كثير من العلوم، حيث أولع بالعلم صغيراً فتنوعت معارفه فكان إماماً في التفسير واللغة والنحو لسعة علمه وتفننه في علوم شتى مما جعله غاية في الذكاء مشهوداً له بالتقدم، يقصده طلاب العلم لمكانته ونبوغه، وآثاره التي خلّفها ناطقه بمكانته العالية؛ لما تتصف به من دقة البحث وتنوع الموضوعات وعمق التفكير، والزمخشري.
إلى هذا، من أئمة الحنفية، ومما يؤكد ذلك أن أصحاب طبقات الحنفية عروه من فقهاء الحنفية، وترجموا له في طبقاتهم، أما كتابه المفصل، فهو من أشهر كتب النحو؛ وقد أوضح مراده من تأليف هذا الكتاب وطريقة ترتيبه التي ارتآها فقال في مقدمته: ",ولقد تعد بني ما بالمسلمين من أرب إلى معرفة كلام العرب وما بي من الشفقة والحرب على أشياعي من حفدة الأدب لإنشاء كتاب في الإعراب محيط بكافة الأبواب، مرتب ترتيباً يبلغ بهم الأمد البعيد بأقرب السعي... فأنشأت هذا الكتاب المترجم بكتاب: المفصل في صنعة الإعراب مقسوماً إلى أربعة أقسام: القسم الأول في الأسماء، القسم الثاني: في الأفعال: القسم الثالث في الحروف، القسم الرابع: في المشترك من أحوالها...
افتتح الزمخشري القسم الأول بتعريف الإسم ثم تحدث عن اسم الجنس والإسم العلم وأطال التفصيل في الثاني ثم أتبعه بحديث عن المعرب والأعراض، عرض فيه بإجمال للأسماء الستة والمثنى وجمع المذكر السالم والممنوع من الصرف، ثم قسم الإسم من حيث العامل ثلاثة أقسام: المرفوعات والمنصوبات والمجرورات، القسم الثاني: الأفعال، عرض فيه أصناف الفعل مبدأ بأقسامه من حيث الزمان: الماضي والمضارع والأمر، القسم الثالث: المروض، ضمنه الحديث عن ستة وعشرين صنفاً منها، ومبنى تصنيفه راجع إلى حد أمرين: إما المعنى، وهو الغالب - وإما العمل، القسم الرابع: المشترك: بحث في هذا القسم ما يدخل من الإستعمالات في الأصناف الثلاثة السابقة، وما يعرف لها من الأحكام، ومن ذلك: الوقف والإمالة وتخفيف الهمزة والإعلال والإبدال والإدغام.
وقد اعتنى بهذا الكتاب الكثير من أهل العلم، حيث تجاوز من شروحه المئة، منها هذا الشرح لعلم الدين اللّورقي وهو أبو محمد القاسم علم الدين بن أحمد بن أبي السواد، الموفق بن جعفر اللورقي (نسبة إلى لُوْرَقَة من أعمال مرسية) المُرسيّ الأندلسي.
ولد بمرسية سنة 575هـ التي قضى فيها ثلاثاً وعشرين سنة، ثم ارتحلى لطلب العلم، كان من أذكياء النحاة والمتكلمين، وقد تنوعت ثقافته لتنوع العلوم التي طلبها، كان إماماً في العربية، وعالم بالقرآن الكريم والقراءة، ونجد أثر ثقافته في شرحه المحصل، فهو يستشهد بالآيات القرآنية والقراءات، وكذلك طريقته في الشرح وعرضه للمسائل الخلانية، وترجيح ما يراه راجحاً، الإستشهاد له، ومناقشة آراء سبقوه والأخذ بها والردّ عليها، وتأثره بعلم الكلام، كل ذلك يبين ثقافة اللورقي المؤصلة وعن إطلاعه الواسع ومكانته العلمية التي جملته يتصدر للأقراء والتدريس وتصنيف الكتب، ومن ثناء العلماء عليه لمكانته العلمية قال عنه القفطي (646هـ) - بعد أن أنثى عليه في ترجمته: ",وشرح كتاب المفصّل للزمخشري شرحاً استوفى فيه القول، لا يقصر أن يكون في مقدار كتاب أبي سعيد السيرافي في شرحه سيبويه، واستعان في عبارته ببعض عبارة المتكلمين وكان أقدر على ذلك من غيره",.
ونظراً لأهمية هذا الكتاب فقد تم الإعتناء به، وجاء منهج التحقيق على النحو التالي: 1-تحرير النص وفق القواعد الإملائية، 2-إتباع رسم المصحف في كتابة الآيات القرآنية، 3-ضبط ما يحتاج إلى ضبط، 4-وضع علامات الترقيم، 5-إذا لم يستقم النص إلا بإضافة جملة أو كلمة لا توجد في النسخة، أثبتها المحقق بين حاصرتين... 6-تخريج الآيات القرآنية ثم الأحاديث من مصادرها، 7-تخريج الشواهد الشعرية بالعودة إلى دواوين أصحابها، أو إلى المجاميع الشعرية ثم الكتب النحوية والتصريفية، 8-تخريج أفعال العرب من كتب الأمثال، 9-التعريف بالإعلام والأماكن، 10-توثيق إحالات المصنف ونقوله من مصنفات أصحابها، 11-التعليق إلى ما يحتاج إلى تعليق وإيضاح.