وصف الكتاب
الحمد لله العلي الكبير، العليم القدير، الحكيم الخبير، الذي جل عن الشبه والنظير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وصلى الله وسلم على رسوله البشير النذير، السراج الهادي المنير، المخصوص بالمقام المحمود، والحوض المورود، وعلى أصحابه الأطهار الأخيار، وأهل بيته الأبرار الذين أذهب الله عنهم الرجس وخصهم بالتطهير، وعلى التابعين لهم بإحسان، والمقتدين بهم في كل زمان إلى يوم الدين، وبعد:
إن الشريعة الإسلامية بقواعدها الكلية، وموازينها المنضبطة، وأسسها الثابتة، وعطائها المستمر، صالحة لكل زمان ومكان، فكمال الشريعة وشمولها من أبرز عوامل ثباتها، فما من حادثة تحدث ولا نازلة تنزل بالمسلمين إلا وفيما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من الوحيين ما يكشف عنها ويبين حكمها, مصداق ذلك في كتاب الله تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ) [النحل:89].
وما جعل الله الشريعة بهذه الصورة إلا رحمة بالخلق؛ ليتمكنوا من معرفة ما يصلح أحوالهم ويزكي نفوسهم, ولقد بذل العلماء قديمًا وحديثًا جهودًا كبيرة من أجل تقرير قواعدها، وإيضاح أحكامها، وتجلية مميزاتها، وترسيخ مفاهيمها، وتجسيدها واقعًا يحتذى به في شتى ضروب الحياة.
وباب المعاملات المالية هو الأوسع, والأجدر بالدراسة لعموم التعامل به, والناظر في هذا الباب يعلم أن من المعاملات التي عم التعامل بها اليوم ما يسمى بالتصرف في المبيع قبل قبضه, وهو وإن لم يكن بصورته الأصلية من نوازل العصر ومستجدات قضاياه, إلا أن الجديد -حسبما بدا- هو ما أحدث فيه من قيود واشتراطات, وما رُتِبَ عليه من آثار والتزامات, جعلته محطًا للسؤال, وموضعًا للنقاش, بل أصبح يُشْكِل بادئ الأمر على بعض المنتسبين للعلم, فضلًا عن العامة.
التصرف في المبيع قبل قبضه من المسائل التي تحتاج إلى بحث يبين فيه موقف الشريعة الإسلامية من هذه المعاملة, حيث إن بعض المؤسسات تتعامل به من خلال عقد المرابحة, وقد كثر الجدل والحوار حول هذه المسألة, ووقع الخلاف بين العلماء, هل هذا الحكم عام في جميع الأعيان المملوكة, أو هو خاص بالطعام؟ وهل التصرف الذي يشترط فيه القبض خاص بالبيع أم أنه عام في كل التصرفات؟
فجاء عنوان بحثي:
«التصرف في المبيع قبل قبضه وتطبيقاته المعاصرة دراسة فقهية مقارنة»