وصف الكتاب
يشمل علم نفس النمو مجالاً واسعاً مليئاً بالغموض وذلك نتيجة لشيوع مفاهيم عامة وغير دقيقة تتناول النمو. ويأتي تعريف مصطلح النمو في المعاجم على أنه مجموعة التغييرات التي تطرأ على الكائنات الحية أو المؤسسات الاجتماعية نتيجة النشاط الإنساني. وهذا يعني الاستمرارية والنهائية، وهو يعود إلى الأمرين التاليين: 1-مجموعة المراحل الزمنية التي تقود الكائن الحي من حالة بدائية أولية إلى حالة أكثر تطوراً وتعقيداً مؤقتة أو نهائية. 2-الآليات والسياقات التي تؤمن الانتقال من مرحلة إلى أخرى، ويتناول هذا الأمر الإنسان والكائنات الحية والمؤسسات الاجتماعية.
وعلى مشارف الألفية الثالثة يتناول الأمر الإنسان الحديث ومستقبله هو الذي يعيش في عالم مليء بالتغيرات ويعج بالتكنولوجيا الحديثة. وما يتناوله هذا الكتاب هو متابعة تطور هذا الكائن البشري من لحظة تلقيح البويضة إلى الشيخوخة ونهاية الحياة مع التغيرات التي تطرأ على الإنسان خلال عملية النمو بالغة التعقيد وتحكمها وراثة النوع والوراثة الفردية إضافة إلى النضخ والتعلم والتفاعل الاجتماعي، وتطور هذا التفاعل في مجتمع يتعرض لتغييرات سريعة. وقد يحتوي القول بمعرفة كل المعطيات والنهايات الكثير من الادعاء الباطل.
وليس هذا هو هدف الكتاب، لأن معالجة ",نمو", الإنسان يستدعي وضع المعارف الأكثر بروزاً المتعلقة بمراحل التطور الزمني وسياقات العبور من مرحلة إلى أخرى. ولكنه ليس بالمقدور التطرق إلى هذا الأمر دون استخدام الأدوات المناسبة، خصوصاً أن المعرفة في ميدان النمو ملازمة للمفاهيم والطرائق في علم النفس. وهذه المفاهيم والطرائق ترتبط بشكل أساسي بالمحتوى العلمي العام للعصر. وهذا يعني أن علم نفس النمو مثله مثل علم النفس العلمي، يشكل ميداناً خاصاً من ميادين علم النفس، وهو لا يعرض حقائق مطلقة أو عقيدة جامدة، بل هو عبارة عن مقاربات تستند إلى حقائق وتجارب وملاحظات، على أن تكون هذه الحقائق مستندة في أساسها إلى إطار نظري معين.
وهذه المقاربات قد تلغيها تجارب أخرى ونظريات أخرى ومفاهيم أخرى ثم التأكد من صحتها علمياً وعملياً. وهنا يكمن مسعى التطور العلمي الأمر الذي ينقذ العلم من الجمود والتخلف ويجعل المعرفة أكثر صدقاً وصحة. وهنا تدرك أهمية فلسفة وأن ما يقوله كارل بوبر (Karl poper) بنسبية معرفة الإنسان، هو الخيط الذي ينظم أي عمل علمي. وهذا ما قاد العمل في هذا الكتاب. وهو يتألف من قسمين: يعالج القسم الأول منه الأدوات الضرورية لدراسة النمو وفهمه أي النظريات والنماذج والطرائق. والقسم الثاني يتناول المقاربات والطرائق التي تمكننا في الوقت الحاضر من معرفة مختلف مراحل النمو وسياق المرور من المرحلة الجنينية والطفولة الأولى فالطفولة المبكرة والوسطى ثم المتأخرة والمراهقة والرشد وصولاً إلى الشيخوخة، وذلك لأن دراسة خصائص النمو الإنساني هي ضرورة من أجل معرفة الإنسان معرفة واقعية في مجتمع دائم التغير والتحول.