وصف الكتاب
يخرج فولتير من الباستيل, ويهاجر إلى إنكلترا من فوره, ويقيم بإنكلترا ثلاث سنين ",1729-1726",, ويحسن قبول فولتير فى إنكلتورا حيث يدرس الإنكليزية ويتصل بعلية الإنكليز وفلاسفتهم وعلمائهم وكتابهم وشعرائهم, وحيث يعجب بالدستور الإنكليزى وبتسامح لاإنكليز الدينى وحريتهم السياسية أيما إعجاب, وكان لأخلاق هؤلاء القوم وعاداتهم بالغ الأثر فيه, ففى هذا الجو وضع فولتير كتاب ",الرسائل الفلسفية", أو ",الرسائل الإنكليزية", حيث أثنى على نظام إنكلترا وقال: ",إن أميره البالغ القدرة على صنع الخير مقيد اليدين فى صنع الشر",, ويعود فولتير إلى باريس حاملا فى ذهنه كثيرا من المشاريع فى الحرية السياسية والإصلاحات الدينية, ويتناول كتابه ",الرسائل الفلسفية", بالتعديل والتهذيب وينشره لأول مرة فى فرنسا سنة 1734.
وتقضى المحكمة العليا ",البرلمان",, فى 10 من يونيه 1734, بجمع نسخ هذا الكتاب وتمزيقة وتحريقه, وذلك ",لمخالفته للدين وحسن الأخلاق",, ويعد هذا الحكم كتاب ",الرسائل الفلسفية", أخطر ما يكون إلحادا فى الدين ونظام المجتمع المدنى, ولا يحول هذا دون طبع كتاب ",الرسائل الفلسفية", مرارا وتوزيعه بين الناس سرا.
وليس ما ينم عليه كتاب ",الرسائل الفلسفية", من جرأة مؤلفة وإقدامه وصراحته هو أكثر ما يقف النظر فيه, بل اتزانه وكونه وليد ذهن رصين أثر إنصاف وتمييز بين المحاسن والأضداد, ومن ذلك أن يظهر الكويكر فضلاء عقلاء ولكن مع شئ من إثارة السخرية حولهم, ومن ذلك أنه يظهر البرلمان الإنكليزى ناشرا للحرية السياسية السلمية, ولكن مع كونه متصلبا بعيدا من السماحة أحيانا, ومن ذلك إظهاره المأساة الإنكليزية بعيدة من حسن الذوق, ولكن مع اشتمالها على الحركة والإبداع, ومع ذلك إظهاره نيوتن عبقريا عظيما, ولكن مع كونه ذا وساوس وسخافات, إلخ
وتحميل ",الرسائل الفلسفية", حملة صادقة على نظم فرنسة وطبائعها وآدابها السياسية فى عصر فولتير, فكان هذا الكتاب من أقوى العوامل فى إيقاد الثورة الفرنسية وتوجيهها من عدة نواح وتهذيب الذوق, قبل كل شئ, هو أكثر ما هدف إليه فولتير فى هذا الكتاب, فلعلى أكون قد سهلت به, وبكتاب ",كنديد", الذى نقلته إلى العربية, وقوف القارئ العربى على ناحية مهمة من نواحى براعة فولتير وعبقريته.