وصف الكتاب
ليس الغرض من دراسة ",محمد سعيد رمضان البوطي", للسيرة النبوية وفقيهها، مجرد الوقوف على الوقائع التاريخية، ولا سرد ما طرف أو جمل من القصص والأحداث، ولا تقديم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كزعيم سياسي أو قائد وطني، أو رجل فكرة ومذهب، أو مصلحاً اجتماعياً... وأما الغرض منها، أن يتصور المسلم الحقيقة الإسلامية في مجموعها متجسدة في حياته صلى الله عليه وسلم بعد فهمها مبادئ وقواعد وأحكاماً مجردة في الذهن أي إن دراسة السيرة النبوية، ليست سوى عمل تطبيقي يراد منه تجسيد الحقيقة الإسلامية كاملة، في مثلها الأعلى محمد صلى الله عليه وسلم.
وإذا أردنا أن نجزئ هذا الغرض ونصنف أجزاءه، فإن من الممكن حصرها في الأهداف التفصيلية التالية: أولاً: فهم شخصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم (النبوية) من خلال حياته وظروفه التي عاش فيها، للتأكد من أن محمداً عليه الصلاة والسلام لم يكن مجرد عبقري سمت به عبقريته بين قومه، ولكنه قبل ذلك رسول أيده الله بوحي من عنده وتوفيق من لدنه. ثانياً: أن يجد الإنسان بين يديه صورة للمثل الأعلى في كل شأن من شؤون الحياة الفاضلة، كي يجعل منها دستوراً يتمسك به ويسير عليه. ثالثاً: أن يجد الإنسان في دراسة سيرته عليه الصلاة والسلام ما يعينه على فهم كتاب الله تعالى وتذوق روحه ومقاصده، إذ إن كثيراً من آيات القرآن إنما تفسرها وتجلّيها الأحداث التي مرت برسول الله صلى الله عليه وسلم ومواقفه منها. رابعاً: أن يتجمع لدى المسلم من خلال دراسة سيرته صلى الله عليه وسلم أكبر قدر من الثقافة والمعارف الإسلامية الصحيحة سواء ما كان منها متعلقاً بالعقيدة أو الأحكام أو الأخلاق، إذ لا ريب أن حياته عليه الصلاة والسلام إنما هي صورة مجسدة نيرة لمجموع مبادئ الإسلام وأحكامه. خامساً: أن يكون لدى المعلم والداعية الإسلامية نموذج هي عن طرائف التربية والتعليم، فلقد كان محمد صلى الله عليه وسلم معلماً ناصحاً ومربياً فاضلاً لم يأل جهداً في تلمس أجدى الطرق الصالحة إلى كل من التربية والتعليم من خلال مختلف مراحل دعوته.
وإن من أهم ما يجعل سيرته صلى الله عليه وسلم وافية بتحقيق هذه الأهداف كلها أن حياته عليه الصلاة والسلام شاملة لكل النواحي الإنسانية والاجتماعية التي توجد في الإنسان من حيث أنه فرد مستقل بذاته أو من حيث انه عضو فعّال في المجتمع. فحياته عليه الصلاة والسلام تقدم إلينا نماذج سامية للشباب المستقيم في سلوكه، الأمين مع قومه وأصحابه، كما تقدم النموذج الرائع للإنسان الداعي إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، الباذل منتهي الطاقة في سبيل إبلاغ رسالته، لرئيس الدولة الذي يسوس الأمور بحذف وحكمة بالغة، وللزوج المثالي في حسن معاملته، وللأب في حنو عاطفته، مع تفريق دقيق بين الحقوق والواجبات لكل من الزوجة والأولاد، وللقائد الحربي الماهر والسياسي الصادق المحنك، وللمسلم الجامع بين واجب التعبد والتبتل لربه، والمعاشرة الفكهة اللطيفة مع أهله وأصحابه لا جرم إذن، إن دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ليست إلا إبراز لهذه الجوانب الإنسانية كلها مجسدة في أرفع نموذج وأتم صورة.