الرئيسية

/ غيوم ميسو

/

/ "شقة في باريس"

المصدر : إنجز كتاب

الملخص

مستمتِعًا وكأنك تُتابعُ فيلمًا من إثارته لا تُطاوِعكَ عيناك حتى على أن تُبعِدها عن الكلمات، وعقلُك عن إبعاد تركيزه عن الأحداث الجارية.



تعرَّفت في رحلتي هذه على الكاتب المسرحي "غاسبار" الذي جاء إلى باريس للاعتزال من أجل كتابة عمله الجديد، وعلى الشرطية "مادلين" التي جاءت أيضا إلى باريس من أجل أخذ قسط من الراحة والانعزال لتضميد جروحها قبل مواجهة قرار من أصعب وأهم القرارات التي اتخذتها من أجل تغيير حياتها وإضفاء قيمة ونفحة ابتهاج لها.



يجد "غاسبار" و "مادلين" نفسَيهما وعن طريق خطأ في قسم حجوزات استئجار الشقق في شقة واحدة وهي شقة الرسام الشهير



"شون لورينز"، فتضطر مادلين لِمشاركة غاسبارالمنزل ريثما تجد لها مكانًا آخر.



قصة شخص والفضول العميق لمعرفة سر السحر الذي يَمتلكه والذي ينعكس على إبداعه وروعة أعماله، الذي يسيطر على الآخرين لمعرفتها قد يغير أقدار الأشخاص ويجعل مساراتهم المتفرِّقة تتقارب وتندمج وتتحول لمسار واحد وحياة واحدة.



وهذا بالضبط ما حصل مع غاسبار ومادلين اللذَين أثارَت قصة شون لورينز الغامضة فضولهما ورغبتهما لمعرفة الحقيقة خلف اختطاف زوجته "بينيلوب" وابنه الصغير ذو الخمسة أعوام وموته!



تتشابك القصص وتتفشَّى الحقائق ويحدث دومًا ما هو غير متوقَّع تمامًا، وهذا بالضبط ما يجعلني أتمسك بكل حب وشغف بروايات غيوم ميسو.



لدى كل شخصية في الرواية حكاية تُروى بعمق بالِغ قد تكتشف من خلاله أبعادًا أخرى للإنسان حقيقةً، وما قد يؤثر فيه من أحداث بغض النظر عن بساطتها أو قسوتها فتُغيِّره بشكلٍ كبير وقد تحوِّله لإنسان خطير وقاتل ذو دمٍ بارد!



قد تكشِف عن قصة عدم تبنِّيه لبعض الأفكار، وتمسُّكهِ بأفكار وأسلوب حياة لا تناسبه ولا تعنيه حقيقةً.



قد تفضحُ حقدًا دفينًا تحول لانتقامٍ فظيعٍ يقضي على كل لمحةٍ إنسانيةٍ داخل قلبه الذي كان يومًا مليئًا بالحب!



يجد غاسبار ومادلين نفسَيهما غارِقين في البحث عن الحقيقة، ويتملَّكهما شعورٌ دفين وغريب أنَّ ثمَّة ما يستحق عناء البحث ليكتشفا أخيرًا أن حياتهما بأكملها ستتغير إن أكملا السير خلف ما يشعران به.



قدرة الكاتب غيوم ميسو على التنقل بين حدثٍ لِآخر بمهارة وذكاء تجعل من الصعب عليك ترك قراءة أي رواية من رواياته، وقدرته على الولوج لأعماق كل شخصية وتمييزها عن الأخرى تجعلك تكتشف أشياء عميقة داخل أعماقك لم تكن لتعرف عنها شيئًا، أما عن قدرته على تحريك خيالك وجعلك داخل محور الحكاية، تُحقِّق وتفكِّر وتحاول كشف الحقائق وكأنك حقًّا جزء من الحكاية فهذه قصة أخرى وسبب آخر لعشقي لرواياته.



استمتعت أثناء القراءة بكل صفحة وبكل تفصيلة وحكاية، أحببت قوة شخصية مادلين وعطفها والأمومة المُتأصلة داخلها والتي قد تتعارض مع كونها شرطية!



أحببت هدوء غاسبار والعمق الذي ينطوي عليه أثناء تحليله للأمور، فقد أثبت لي أن بمقدور كاتب أن يكون محقِّقًا، وأعتقد أنَّ كِلاهما تتلاقيان بطريقة أو بأخرى "الكتابة والتحقيق"!



أشفقت على الطفل جوليان وتمنيتُ لو أنَّ أمه لم تكذب حِيال المكان الذي ذهبت إليه قبل الإختطاف، لأنه كان من الممكن إنقاذهما لولا ذلك، إلَّا أنها براعة غيوم ميسو في السرد وسلب مشاعرنا والتلاعب بها أثناء القراءة.