الرئيسية

/ روبرت سي آلن

/

/ التاريخ الاقتصادي العالمي

المصدر : engzketab

الملخص

1- كيف بدأت تلك الفجوة الاقتصادية الكبرى بين الدول الغنية والدول الفقيرة في الظهور؟
كانت الاختلافات بين الدول طفيفة حتى عام 1500 م ولم تبدأ تلك الفجوة الكبرى التي نراها حاليًا والتي قسمت العالم إلى دول غنية وأخرى فقيرة في الظهور إلا مع اكتشاف (كريستوفر كولومبوس ) للأمريكتين واكتشاف (فاسكو دا جاما) لـ (الهند). وقد نتج عن ذلك ظهور العصر التجاري حيث يتم كان يتم تصدير الفضة والسكر والتبغ من الأمريكتين إلى (أوروبا) واستيراد العبيد من (أفريقيا)، كما قامت (آسيا) بتصدير البهارات والمنسوجات والخزف الصيني إلى (أوروبا) التي قامت ببناء مستعمرات عديدة لها في المنطقتين لتضمن الحصول على تلك السلع بشكل دائم وبمقابل زهيد تقريبًا، وقد استمر ذلك العصر التجاري حتى عام 1800 م ليبدأ بعدها التاريخ الاقتصادي في الدخول إلى مرحلة جديدة.

كانت (أوروبا) في تلك المرحلة قد أصبحت بالفعل أكثر القارات ثراءًا؛ فقد كان إجمالي الناتج المحلي للفرد في (أوروبا) يمثل ضعف نظيره في بقية أنحاء العالم. كان الاقتصاد الهولندي هو أكثر الاقتصادات ازدهارًا في العالم يليه الاقتصاد البريطاني، وقد ساهمت السياسات التي تبنتها دول (أوروبا الغربية) و(الولايات المتحدة الأمريكية) التي كانت تابعة لـ (لبريطانيا) في ذلك الوقت في تحقيق التنمية الاقتصادية وقد كانت تلك السياسات تتمثل في إلغاء التعريفات الداخلية بين مناطق الدولة الواحدة ووضع تعريفات خارجية لحماية صناعاتها من المنافسة الأجنبية وتأسيس بنوك للاحتفاظ بثبات أسعار العملات، وتوفير التعليم العام للارتقاء بمستوى القوى العاملة.

قامت بعض دول (أمريكا اللاتينية) بتبني بعض تلك السياسات ولكن بصورة غير كاملة فلم تحقق النجاح المطلوب الذي يمكنها من مواكبة دول (أوروبا) و(أمريكا الشمالية)، أما (أفريقيا) فقد اكتفت بتصدير العبيد والمعادن وبعض السلع الأخرى إلى (أوروبا) وهو ما جعلها تبقى دائمًا أكثر القارات فقرًا في العالم، حيث كان متوسط دخل الفرد فيها 415 دولارًا أمريكيًا في الوقت الذي كان فيه متوسط دخل الفرد في (هولندا) قد وصل إلى 1838 دولارًا أمريكيًا وفي (إنجلترا) 1706 دولارًا أمريكيًا وبدأت الفجوة منذ ذلك الوقت في الظهور وانقسمت دول العالم إلى دول غنية ودول فقيرة.

استمرت هذه الفجوة في الاتساع حتى يومنا هذا؛ حيث أصبح متوسط دخل الفرد في الدول الغنية في (أوروبا) يتراوح بين 25 ألف- 30 ألف دولار أما في دول (آسيا) و(أمريكا اللاتينية) فيتراوح بين خمسة آلاف إلى عشرة آلاف دولار، أما في دول (أفريقيا) فإن متوسط دخل الفرد يبلغ 1387 دولار. كانت الثورة الصناعية البريطانية أحد أهم الأسباب في ظهور تلك الفجوة حيث أدت إلى إنهاء عمليات التصنيع التي كانت تقوم في الصين بنسبة 23% من إجمالي حجم التصنيع في العالم وشبه القارة الهندية التي كانت تقوم فيها عمليات التصنيع بحجم 25% من إجمالي حجم التصنيع، لتستحوذ عليه (بريطانيا) التي زاد حجم التصنيع بها بعد الثورة الصناعية من 2% إلى 23% في الوقت الذي انخفضت فيه حصة (الصين) و(الهند) من إجمالي حجم التصنيع إلى 4% و1% على التوالي.

ينعكس ذلك التفاوت في دخل الفرد بين البلدان المختلفة على العديد من الجوانب الأخرى من بينها التعليم والتغذية؛ حيث نجد أن الأشخاص الذين يحصلون على الحد الأدنى من الأجور يتناولون وجبات تجعلهم قصار القامة والعكس صحيح؛ فقد انخفض متوسط طول الإيطاليين الذين التحقوا بالجيش من 167 سنتيمترًا إلى 162 سنتيمترًا بعد تحولهم من تناول الخبز إلى تناول العصيدة، بينما نجد أن طول الجنود البريطانيين في القرن الثامن عشر قد بلغ 172 سنتيمترًا نظرًا لتغذيتهم بصورة أفضل وقد وصل طول الرجل في (بريطانيا) في الوقت الحالي إلى 176- 178 سنتيمترًا، وهو ما يعكس الفروق بين الاقتصادات التي تعيش على الحد الأدنى من الأجور الحقيقية وتلك الأخرى التي تعيش فوق الحد الأدنى بكثير.

2- بزوغ نجم الغرب والعوامل الأساسية المساعدة على ذلك
لا يمكن اختصار تلك الفجوة الكبرى بين الدول الغنية والدول الفقيرة في العوامل الاقتصادية المتمثلة في الثورة الصناعية البريطانية فقط، فهناك العديد من العوامل الأخرى التي أدت إلى ذلك من بينها عوامل جغرافية وأخرى ثقافية بالإضافة إلى المصادفات التاريخية التي كانت تقف لصالح بعض الدول أو ضد البعض الآخر، فمن الناحية الجغرافية كانت مناجم الفحم التي تمتعت بها (بريطانيا) سببًا رئيسيًا لقيام الثورة الصناعية بها وليس في أي بقعة في العالم، في الوقت نفسه الذي واجهت فيه المناطق الاستوائية خطر الأمراض مثل الملاريا وهو ما كان أحد معيقات النمو والتقدم الاقتصادي.

هناك بعض التفسيرات الثقافية التي تحاول البحث عن أسباب تلك الفجوة بناءًا على الاختلافات الثقافية بين الدول وبعضها البعض، بعضها يرى أن سبب تأخر الكثير من الثقافات هو الكسل وعدم رغبة تلك الثقافات في التطور وابتكار أساليب حديثة والاعتماد على الأساليب التقليدية القديمة،.من ناحية أخرى، هناك بعض التفسيرات الثقافية التي تشير إلى ضرورة اهتمام كل ثقافة بالتعليم العام والتمتع بمهارات القراءة والكتابة والحساب لأهميتها في كافة المجالات الاقتصادية سواء التجارية أو الصناعية أو الزراعية.

أما فيما يتعلق بالمصادفات التاريخية فيمكن النظر إلى العولمة على أنها أحد الأسباب الرئيسية التي ساهمت في ظهور تلك الفجوة وتمتع دول (أوروبا) بالعديد من الفرص الاقتصادية الهامة، وتتمثل أولى نتائج العولمة في اكتشاف (الهند) والأمريكتين وتحول استخدام السفن من الاستخدام الذي كان يقتصر على الرحلات الاستكشافية إلى الاستخدام التجاري في نقل السلع والبضائع الهامة من بلد إلى آخر ومن قارة إلى أخرى، وعند تحول (بريطانيا) من العصر التجاري إلى عصر التصنيع ساهم ذلك الوضع الجديد في انتقال مراكز التصنيع إلى بقية أنحاء (أوروبا).

لم تكتفِ دول (أوروبا) -وتحديدًا (بريطانيا) و(هولندا) -بالحصول على حاجتها من السلع والمنتجات من خلال النشاط التجاري فقط؛ لذا فقد بدأت في القرن السابع عشر تتحول إلى قوى استعمارية تبنى لنفسها العديد من المستعمرات في كافة أنحاء العالم كي تتمكن من استغلالها لخدمة مصالحها الاقتصادية؛ حيث قامت كلاً من (بريطانيا) و(هولندا) بإنشاء مستعمرات لهما في (الهند) و(الأمريكتين) وأخذت الإمبراطورية الإنجليزية تحديدًا في التوسع والانتشار مع الوقت حتى على حساب نفوذ الإمبراطورية الهولندية وهو ما جعلها تشهد نموًا اقتصاديًا غير مسبوق وبدأت تتحول نحو الحضرية والصناعة وانخفضت نسبة السكان العاملين في الزراعة إلى 45% من إجمالي عدد السكان وهو ما مهد الطريق بعد ذلك للثورة الصناعية.