وصف الكتاب
إذا كان التأويل -في اصطلاحه التقليدي- يهدف إلى فهم حقيقة النص، فإنه يعني في الفلسفة الحديثة بما وراء المنتج النصي، وهذا يعني أنه في التراث التوفيقي قائم على تعزيز مقولة: لا اجتهاد مقابل النص",، باعتماد التفسير بالمأثور، في حين هو في الفكر الفلسفي ضع المعرفة في حقيقتها موضع السؤال المستمر، أو بمعنى آخر، إن الفارق بينهما يكمن في طروحات التأويل عند أهل الحديث وعلماء الكلام وترتكز على مفهوم الألوهية، وما يتبعها من وجوب المعرفة بالأدلة الشرعية، بينما تكمن مباحث النظر التأويلي عند الحديث في استقصاء العقل باستقراء النص. من هنا، يكتسي السؤال عند الفلاسفة المحدثين أهمية قصوى، تتمثل في طلب الفهم المؤدي إلى إشباع طريق النظر في التفكير، والاستنتاج إلى أن يصل إلى سيل الاقتناع بأسس الإثبات. وهكذا نجد أن المقوم الشرعي والترجيح العقلي هما الوسيلتان الضروريتان لحقيقة التأويل الفلسفي، الأمر الذي سوغ للدكتور ",عبد القادر فيدوح", الخوض في هذه المغامرة لإمكان معرفة مساحة النص في حدود التأويل، على ضوء ما رسمه في هذا العنوان: نظرية التأويل، ",في الفلسفة العربية الإسلامية",.
ولعل معترضاً يعترض على هذا العنوان، الذي لا يعبر في نظرهم عن المستوى الرصين، وبأنه أقحم الفكر العربي الإسلامي في هذا المستوى من الطرح المجحف، من خلال إدراج مصطلح النظرية بمصطلح التأويل. غير أن الدكتور فيدوح يعتقد -ضمن سياق منظوره- أن مدلول النظرية ها هنا يعني ذلك المفهوم الذي توصل بأدواته المعرفية إلى البحث عن حقيقة النص وقيمته، وفي هذه الحال، يكون معناه -بعد التنظير له- معلوماً في مدلوله.
وإذا كانت النظرية هي التي تحصل بها معرفة الشيء على أتمه وكنهه، بتوضيح رسم صورة المعلوم للمجهول، فإنها -بالقياس إلى ذلك- تأخذ مجرى التعامل مع النص على سبيل التوصيف بما يفيد البصيرة. والحاصل أن ربط النظرية بالتأويل هو من قبيل رصد المفهوم التنظيري من مقولة الكيف، بينما يكون حصول التصور بالتأويل من مقولة الإضافة لتتجسد الفاعلية بينهما في تجاوز حدود اليقين إلى المعنى الاجتماعي، باستحضار تصور جديد يتلاءم مع التنظير له، لما هو أبين.
إن علة تناول ظاهرة التأويل في ضوء النظرية هو كون هذه الأخيرة فلسفة ظاهرية تبحث في مدلول الفهم بأوسع مجالاته، بينما يكون التأويل فلسفة باطنية، يدفع إلى توظيف الفهم بتجاوز كل أشكال سوء الفهم في صورته الحاصلة من النص. يضف إلى ذلك أنه ينظر إلى التأويل من حيث مكامن القوة في باطنه، ومواطن مجمل ما يشتمل الصريح المرجح، قاطعاً العزم من أجل كل هذا على إبراز أهمية التأويل في الفلسفة العربية الإسلامية، بمختلف وجوهها وتجلياتها، بدءاً من: جذور فلسفة التأويل، التأويل في الفكر الشيعي، التأويل في قرائنه الكلامية، التأويل وتحصيل البرهان، المعراج الصوفي والتأويل الذوقي.
ما هي جذور وفلسفة التأويل في الفكر الشيعي؟ ما التأويل في قراءته الكلامية (السلف ومرجعية النص)؟ التأويل بين النقل والعقل- ما التأويل البياني؟ وما الجدل الكلامي؟ التأويل وتحصيل البرهان- التأويل الفلسفي ومقاصد الشريعة- المعراج الصوفي والتأويل الذوقي.. و.. هل استطاع العقل العربي في منظوره- الذي أسهمت الفلسفة في تحريره- أن يقوم بالدور الفعال المستمر في معرفة الوجود بما هو موجود؟ أم أن مفهومه لم يتجاوز العقل العملي المكتسب من وصايا الثوابت؟ وهل استطاعت الفلسفة العربية الإسلامية- في نظرتها التأويلية- أن تميز بين المعقول واللامعقول في تطوير الفكر الإسلامي تباعاً؟ وقبل كل ذلك, هل نستطيع الحديث عن الفلسفة العربية الإسلامية بمعزل عن العقيدة؟ وإلى أي مدى استطاع هذا العقل أن يراهن على تحليل النص؟ وأي نص؟.
عبد القادر فيدوح: من مواليد معسكر الجزائر 1948م, دكتوراه في النقد الأدبي الحديث, شارك في العديد من الندوات والمؤتمرات الدولية, أهم مؤلفاته, الجمالية في الفكر العربي, شعرية القص, الرؤيا والتأويل, دلائلية النص الأدبي. أقرأ أقل