وصف الكتاب
يضم هذا الكتاب بين طياته دراسة سعت إلى إلقاء الضوء على بعض ما أسهمت به المسيحية في الحضارة العربية-الإسلامية، حيث يتم تناول الإنجازات والإضافات العلمية والفكرية والطبية والأدبية والفنية التي قدمها الكثير من المسيحيين لتشييد صرح الحضارة العربية ورفع شأنها وإعلام مكانتها من خلال ثلاثة أدوار لهم: في العصرين الأموي والعباسي الأول ببغداد، وفي مطلع القرن الثامن عشر بحلب، وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر بلبنان ومصر.
وفي الفصل الأول من الكتاب تم التحدث عن الوضع السكاني والديني الذي كان سائداً في المنطقة العربية-الجزيرة وسوريا الطبيعية- وهو استهلال للفصل التالي حيث تم تناول التركيبة المسيحية-الإسلامية في المنطقة العربية من خلال العرب المسيحيون-المسلمون الذين مهدوا الأرضية العربية لنشوء الإسلام، مع التعريف بالأرضية المسيحية المصاحبة لذلك، وعلى ضوء هذه المعطيات تم التطرق إلى كيفية نظرة الإسلام إلى المسيحية حيث لعبت القبائل العربية المسيحية دوراً مهماً في تركيبة الإسلام الديموغرافية اللاحقة، واختتم الفصل بتناول تبعات الفتح العربي-الإسلامي وكيفية تكيف المسيحيين مع الوضع الجديد.
وتناول الفصل الثاني إسهام المسيحيين في الحضارة العربية- الإسلامية في القرون الأولى للإسلام حيث التقت الثقافة المسيحية بالحضارة العربية-الإسلامية من خلال عدة معطيات منها: تعامل السريان مع العرب-المسلمين، والأرضية السورية في منظومة الحضارة العربية-الإسلامية، وأثر السريانية في مفردات العربية-الإسلامية، ومن الأمثلة على ذلك: التطرق إلى كون القلم العربي ناشئ عن السرياني، وتداخل السريانية بالعربية إلى إيراد الألفاظ المسيحية الواردة في القرآن الكريم وشرح للفواتح القرآنية والتفسير السرياني لها. وتم التطرق إلى قيمة الترجمة التي تمت للعربية حيث كان السريان روادها، ومن هم هؤلاء الأشخاص، والمساهمة المسيحية في الطب العربي وأمور أخرى مما قل تناوله في مراجع أخرى.
وشمل الفصل الثالث دور المسيحيين في عصر النهضة العربية الحديثة حيث كان لهم إسهام كبير في ذلك من عدة نواح: العلم والعلمنة والقومية العربية، متجلياً دورهم بشكل خاص في سوريا الطبيعية.
وتم تقسيم الفصل إلى بابين تناول الأول التحولات العقائدية والفكرية لدى المسيحيين العرب، بدءاً من التحولات في الكنيسة العربية، والامتيازات الأجنبية التي حصل عليها المسيحيون، والعلاقة بين الدين والتطورات الاقتصادية والسياسية، إلى الوصول إلى دور المسيحيين في القومية العربية العلمانية، ودور مدارس العلم في التحول العقلي والفكري لدى المسيحيين، ودورهم في النهوض بالإعلام العربي.
أما الباب الثاني فتناول التحولات العقائدية والفكرية لدى المسلمين العرب، بدءاً من هيكلية العلم العربي، إلى أثر الترجمة في الحقل الديني وما نشأ عن ذلك من فرق إسلامية تحترم العقل وما جوبهت به من أخصامها، وهو ما مثل رفضاً للفلسفة ما يتبعها والوقوع في التخلف إلى مناداة البعض عن أصوله الحضارية قبل إحلال العروبة في بلاده ومن هؤلاء توفيق الحكيم مدافعاً عن حضارة مصر الفرعونية مقللاً من شأن الحضارة العربية.
ويضع الفصل الرابع والأخير سؤالاً مهماً عن دور المسيحيين في هذه المنطقة في الألفية الثالثة الميلادية؟ هل بقي لهم من دور بعد أن لعبوا أفضل أدوارهم في مرحلتين من مراحل الحضارة العربية الإسلامية كما تم بيانه في الفصول الماضية، وبعد أن كانوا الواجهة الثقافية والعلمية والفكرية في وسط مجتمع بدوي ارتقى برقيهم إلى أن تساوت العقول وضعفت المحفزات والفرص الماضية فبات همهم الهجرة والهروب من واقع لا يعطيهم حافزاً لطموحاتهم الذهنية، حتى أن إحدى الدراسات تؤكد تلاشيهم في غضون أربعين سنة في فلسطين، كما لم تعد من طائفة مسيحية في بلاد الشام والعراق يفوق ساكنيها بلاد الاغتراب، دون أن نذكر الطائفة القبطية في مصر، فاغتراب مواطنيها جرى حديثاً.
كل هذه المواضيع تم التطرق إليها عبر صفحات هذا الكتاب.
تشكل مادة هذا الكتاب أداة معرفية قلما تم تناولها من قبل الغير بالشكل الذي عرضها به المؤلف في دور المسيحيين في الحضارة العربية الإسلامية. ويحتوي الكتاب على كنز هائل من المعلومات والأفكار والتحليلات مما يمكن أن يكتب به عشرات الكتب, ومن بينها, ولأول مرة يتم طرحها في كتاب, تفسير (الفواتح القرآنية) حسب معناها باللغة السريانية, بعد أن بقي معناها لغزاً من الألغاز من خلال عشرات الكتب التي وضعت دون أن يصل مؤلفوها الى تفسير هذه الفواتح. وقد لعب المسيحيون من خلال هذه الحضارة أكثر من دور: أولاً من خلال الثلاثمائة سنة الأولى من عهد الإسلام حيث مارسوا الترجمة وعملوا في العلم والفلسفة, وثانياً بين 1750-1950 حيث نشطوا في زرع مبادىء القومية العربية والعلم والتربية والعلمانية, فيما أن مصيرهم الحال يبقى في حكم المجهول. كل ذلك أتى به المؤلف بشكل مفصل ومنهجي عميق يغني القارىء العربي في ثقافته ويزيد إدراكه في دور المسيحيين في الحضارة العربية الإسلامية.