وصف الكتاب
المنمنمات هي نوع من الرسم برع فيه الفنانون المسلمون خصوصاً في توضيح الكتب المصورة، وفي الصور الصغيرة مستخدمين ألوانهم التي كانوا يحضرونها بأنفسهم.
وقد كان لفن الرسم هذا دور بارز في إعطاء الحضارة العربية الإسلامية تلك السمات التي تميزت فيها، وإلى هذا، فإن لهذه الحضارة إمتدادتها فقد امتدت لأرجاء واسعة غرباً نحو المحيط الأطلنطي، إلى الخليج العربي شرقاً وهضاب الأناضول وأرمينيا شمالاً، وأواسط أفريقيا والمحيط الهادي جنوباً، وقد سكنت هذه الأقاليم أمم عريقة في حضارتها التي امتدت قبل الإسلام بقرون عديدة إلى فجر التاريخ.
وقد امتاز ساكنوها بشخصية متفردة لدرجة عجيبة؛ إذ كان هناك نغمة أساسية، وإيقاعاً مشتركاً يتكرر بإلحاح في جميع نواحي الوجود الطبيعي والحياة البشرية بقي إمتداده إلى الحاضر، فهناك قاسم مشترك بين سكان هذه المنطقة وهو أن العالم العربي شكل نقطة إتصال مثالية، وهو أساس جبهة الإلتحام ومنطقة الإلتقاء بين عدة مناطق على أديم الأرض.
والعالم العربي يشكل مركز إتصال مورفولوجيا ووظيفياً - موقعاً ومناخاً ونباتاً، بنية وتركيباً في التاريخ والحضارة والثقافة.
وبالعودة، وفي موضوع الفن، فهناك قواسم مشتركة وجوهرية تجمع فنون المنطقة العربية وقسمها بسمة مهمة هي سمة الديمومة والإستمرار، فتلك الفنون الموغلة في القدم تشترك بسمة مهمة هي بحثها على الدوام على الفكر الماورائي الذي تمثل منذ القدم بالعبادات التي ظهرت في المنطقة ليصل بعد ذلك إلى التوحيد والإيمان بخالق واحد؛ وهو ما جاء به الأنبياء والمرسلين والكتب السماوية التي جاؤوا بها ونشروا تعاليمها، ليؤمن به الناس عقيدة وتطبيقاً، فكراً وتشريعاً.
ولم يكن الفن بمنأى، فقد انعكس الإيمان على طريقة التعبير من خلال الفنون التي ظهرت قبل الإسلام لا سيما في بلاد الرافدين والشام وفلسطين ومصر، وما جمع بينها العقيدة والإيمان بالله عزّ وجلّ، فكان الجامع بين تلك الأديان والدين الإسلامي هو التوحيد والإقرار بربوبية الخالق عزّ وجلّ، وهذا ما أكده محمد صلى الله عليه وسلم ",الأنبياء أخوة أمهاتهم شتى ودينهم واحد",، فقد أكد الإسلام على مبدأ التعايش بين الناس على إختلاف أديانهم، وبما أن الفنون حاضنة بيئتها، فقد انعكس ذلك على فن التصوير العربي السابق للإسلام والإسلامي، إذ أبرز اللحمة بين السابق واللاحق، كون الفن العربي برمته ينبع من الأرض العربية ومرجعياتها الفكرية الواحدة التي انطلقت من عقيدة الفكر التوحيدي.
من هنا، تأتي هذه الدراسة التي تحاول المؤلف من خلالها تسليط الضوء على المنمنمات العربية والإسلامية مبينة مرجعياتها التاريخية، ودلالاتها وأسرار الإبداع والجمال فيها.