وصف الكتاب
لقد ترك لنا الفنانون العرب في العصور الإسلامية إرثاً عظيماً في الفنون من الخط والزخرفة والصناعات اليدوية المختلفة والرسم والعمارة، نحن أولى وأحق به من غيرنا، وفي غفلة من الزمن أتيح لأعداء الأمة من مستشرقين واستعماريين غربيين وشعوبيين فرصة زمام المبادرة والمبادءة من خلال حركة الاستعمار الحديث التي ابتليت بها الأمة في مختلف شرائحها ومكوناتها، والفن أحد عناصرها، وجعلت الفن في الوطن العربي تابعاً للغرب، فولدت هذه المعضلة نتيجة الغزو الثقافي والفكري السياسي الغربي، واستعصت هذه المعضلة، ذلك لأن الغربيين أحكموا تعقيدها لإدراكهم بأن ضرب الأمة وتحطيمها لا يأتي فقط عن طريق القوى العسكرية، بل يأتي أيضاً باعتقادهم بأساليب كثيرة وعديدة، ومن ابرزها سلاح ضرب التراث العربي الإسلامي، وتشويه صورته الرائعة في نفسية العربي. ولذلك انبرى دعاة الغرب من المستشرقين وغيرهم إلى وضع نظرياتهم الفلسفية الغربية وتطبيقها على فنوننا التشكيلية والمعمارية في محاولة مقصودة لتشويه هذا الفن، وطمس إيجابيته، وتصويره وكأنه عامل معوق لحركة تطوير فنون الأمة العربية ونهضتها. لذلك كله أصبحت الفنون التشكيلية عندنا معضلة معقدة نبحث عن أسرار حلها، ولقد تناسى الأعداء بأن حركة فننا العربي، وسر ديمومته، وسر تفسيره وتحليله وتعليله يكمن في ذاتية الفن، وفي منهجية شخصياته الذين تركوا أرقى فن في العالم. فنحن بحاجة إلى استيعاب مفردات هذا الفن الذي يصلح لكل زمن ممتد في تاريخ أمتنا، بعد أن فقدنا مدرسة فنية عربية إسلامية، لكي نجعل من الفن العربي عاملاً من عوامل نهوض الأمة ووحدتها، حيث ترتبط هذه الحاجة بطبيعة مفاهيم الفكر العربي المعاصر، وهذا الأمر يؤكد جسامة المسؤولية الواقعة على عاتق الفنانين العرب، فالدعوة إلى مدرسة عربية إسلامية في الفن ليست هواية أو رغبة عابرة إنما هي هدف وغاية نبيلة، فالفنان الأصيل يبحث عن تاريخه وتراثه، وبذلك يستطيع الفنان أن يواجه مشكلات حاضره، ويخطط لمستقبله في ضوء تجارب سابقة، وفي ضوء ما يقدمه التراث من دروس ذات مغزى كبير في معالجة مشكلاته، فيرفد الحياة بروافد عديدة من التراث والتجارب من أجل بلوغ مستقبل أفضل، حيث تصب نتائج دراسة التراث في الحاضر، وترفده بكل مكوناته الأساسية، وتدفعه نحو المستقبل وهو يحمل قدراً أكبر من هذه المكونات. ومع الأسف الشديد يعتمد كثير من الفنانين العرب على أسس وقواعد ونظم فنية مستمدة جذورها وأصولها من الفلسفة اليونانية في الفن، ومن ثم تحول اهتمامهم إلى مدارس الغرب الحديثة متأثرين باساليبها ونظرياتها فابتعدوا عن الموضوعية والجمال الذي يملأ تراثهم الفني، وحتى إنهم فقدوا الإحساس بالوحدة والتكامل في الحياة والمؤثرة مباشرة في الفنن وهذه تجنٍ وانتقاص للأمانة التراثية، كما أن الحاجات والظروف التي مهدت غلى ظهور اتجاهات مختلفة في الفن الغربي كان يقابلها الفنانون التشكيليون العرب باهتمام بالغ، وبالخضوع لها من خلال ترسيخ مفاهيمها في أذهانهم وملئها بمغالطات تجاه تراثهم. ومما لا شك فيه أن مدارس الغرب الحديثة في الفن مرتبطة بالحركة الاستعمارية التي تستهدف جرّ الفنانين العرب إليها، وفرض معايير الفن الغربي لجعلهم تابعين، وذلك عمقت فقدان الثقة في نفوسهم واليأس والقنوط عن مواجهة التحدي، وقد عمد الغرب إلى طمس الحقائق في التراث الفني العربي وتشويه صور الرجال الذين صنعوه، ففرضوا بذلك أفكارهم ونظرياتهم في الفن على فنانينا الذين أخذوا يؤمنون بها وكأنها حقائق لا تقبل النقاش. وفي الواقع أن الفنان العربي الذي يؤمن بنظريات الغرب وفلسفاته المستوردة والبعيدة عن جوهر الحركة الفنية للأمة يكون عاجزاً بحق استلهام تراثه، ومعرفة أسراره وتعليل أحداثه، والأجدر به أن يميز بين نفسه بوصفه مقلداً، وبين نفسه بوصفه مبتكراً، وأن يعالج فنه بعقل متدبر، وليس بالأهواء والنزوات المعتمدة على أفكار غربية مستوردة. ولذلك فإن عدم قدرة الفنان العربي على إدراك الخطأ بإزالة ذلك التصور من ذهنه تجاه تراثه يعني فشله في إنشاء الصورة الجديدة للفن العربي، ولا نكتفي بإزالة ذلك التصور فحسب، وإنما يجب علينا أيضاً أن نصحح ما أشاعوه من التشويه والدس في تراثنا، وأن نجعل الفن التشكيلي عربياً خالصاً تابعاً من ذاتية التراث. إننا بحاجة إلى فنان يؤمن إيماناً صادقاً بتراثه الفني ورجاله الذين صنعوه، ويؤمن أيضاً بأن الفن العربي الإسلامي لا بد أن يعوج إلى مساره السليم الذي كان عليه، وهذا ما يجب عملهن كما يجب علينا أن نؤمن بأن تراثنا حقيقة صادقة من حقائق انتمائنا لهذه الأمة، ويجب أن نضعه أمام أعيننا، ونستحضره في أذهاننا عندما نفكر في وضع منهجية لمدرسة عربية في الفن التشكيلي لأن هذه الحقائق تشكل عناصرها الأساسية. لقد ولى زمن التبعية الفكرية القاتلة لفكر الأمة، وأتى زمن الحقيقة الصادقة المعبرة عن واقع الأمة وتاريخها وتراثها، وإن سبب هذه التبعية يرجع إلى عوامل عديدة منها دراسة بعض الفنانين العرب في معاهد وكليات الفنون في الغرب، فتدربوا على قواعد وأسس ومناهج الفن التشكيلي فيها، ودرسوا النظريات والفلسفات الغربية في الفن التي نقلت بواسطتهم إلى طلبتهم في المعاهد والجامعات العربية، ولذلك عندما نطالب بمدرسة فنية عربية فإننا يجب أن نسقط من حساباتنا تلك المفاهيم والنظريات والفلسفات الغربية المفروضة على طلبتنا ونبطل فعلها، بوضع أسس فنية تنبع من تراثنا، ونضع لهم مناهج عربية جديدة تضع أيديهم على نوابض الحقيقة، وتحرك مشاعرهم، وتوجه سلوكهم نحو الفن الأفضل والأمثل الممتزج بانفعالاتهم وخيالاتهم وأفكارهم ومطامحهم، ونقلهم بكل شعورهم ووجدانهم إلى تراثهم، والبحث في أعمق اعماقه، فيجندوا له خيالهم وثقافتهم وفكرهمن وتوجيههم نحو الدراسات الجمالية للفن العربي القديم والإسلامي لما لتلك الدراسات من فائدة قد تكون هادفة وذات قيمة، وتوظيفها في ابتكار أساليب عربية جديدة، من أجل أن تساهم هذه الدراسات في تعزيز ثقتهم بأنفسهم، واستلهام روحية التراث بدلاً من ضياع الوقت والجهد في دراسة مواضيع غير هادفة لا تخدم افكاره، وعلينا أن نعزز في نفس الطالب قيم الإيمان بالتراث والشجاعة والإقدام على ابتكار أساليب جديدة بما يجعله يبتعد عن أفكار الغرب التي شوهت تراثه، وتذكيره بأن الفنان الغربي همه إشباع رغباته ونزواته، وإرضاء طبقة مترفة من الناس. فالعودة إلى التراث يجب أن تكون عودة صادقة أصيلة خالية من العواطف، وتعتمد على فهم وإدراك صادقين للتراث للربط بين ماضينا وحاضرنا، وتوضيح ما ينبغي أن يكون عليه مستقبلنا لا أن تكون هذه العودة للتغني بالماضي وأمجاده مع تجاهل الوضع الراهن المؤلم. إذن لا بد من صحوة مؤمنة تجلو الصدأ عن النفوس، وتؤلف بين القلوب، فتجتمع الكلمة الصادقة الموحدة بين الفنانين التشكيلين والمعماريين العرب على تحرير الفن والعمارة العربية المعاصرة من التبعية والإغتراب، وليعود الفن العربي المعاصر وعمارته كما كان في عصره الذهبي عند العباسيين، كما يجب أن يكون الفنان العراقي مع إخوانه الفنانين العرب لتحقيق الإبداع العربي الجديد، ولا بد أن تتحقق جميع أهداف الفن التشكيلي العربي المعاصر، ونتخلص من جميع الأفكار الغربية المستوردة، ومن مخططات الأعداء في تدمير تراثنا او تشويهه، لذلك فإن أمر الفن التشكيلي العربي المعاصر جد خطير الآن يتطلب جهداً سريعاً متضافراًن وعملاً حازماً موحداً، وإجراءات فعالة صادقة من جميع الفنانين والمعماريين والمثقفين العرب على كافة الأصعدة وجميع المستويات للوقوف أمام هذا الزحف الشرس على ثقافتنا، وفنوننا العربية الإسلامية لوضع حد للمطامع الاستعمارية والصهيونية، وحفظ تراثنا الحضاري، وشخصيتنا القومية التي يحاول الاستعمار الغربي وإسرائيل إزالتها بكل ما لديهما من أمكاناتن ولنضع بعد ذلك مثقفينا وفنانينا أمام الأمر الصحيح. ولقد تعرض تراثنا العربي الإسلامي عبر تاريخنا للتدمير والتشويه أكثر من مرة امام الغزاة والطامعين. ونحن نستطيع الآن بتضافر جهود فنانينا وتوحيد كلمتهم وصدقهم النية والعهد على العودة إلى أهداف التراث لبناء مدرسة عربية معاصرة في الفن التشكيلي تبرز فيها مواهب وإبداعات الفنانين العرب، ويتردد أصداؤها في أنحاء العالم. ومن هنا لا بد من تصور المؤامرة على حقيقتها، واستيعاب أخطارها التي أبعدتنا عن تراثنا وخصوصيتنا، وجعلتنا أتباعاً وذيولاً للمستعمر الطامع. هذه المؤامرة التي لا زالت تهدد أصالتنا وعروبتنا ومقدساتنا. إن الأمة العربية تعيش الآن فترة من أخطر فترات حياتها، فالوطن العربي يجابه تحديات كبيرة تتمثل في التحدي الحضاري الذي يجاول طمس الشخصية العربية الإسلامية ليس في الفنون فحسب بل في جميع ميادين العلوم والمعرفة أيضاً، وإزالة معالمها إلى جانب تحدي الوجود العربي باغتصاب أرضه. وتمثل الأوضاع الراهنة بدون شك النتيجة الحتمية للتردي والتخلف الحضاري الذي عانت منه امتنا طويلاً، وما زالت على الرغم من الماضي الحضاري العريق لهذه الأمة، وإن انتكاس أمتنا العربية في العصر الحالي واضطراب عطائها الحضاري، وقصورها عن الإبداع، وتخلفها عن المشاركة الفعالة في الركب الحضاري الحديث يرجع إلى أسباب عديدة تفرض على الفنان العربي أن يتبوأ دوره بفعالية من أجل العمل على تبصير الجماهير بواقعها الحضاري بإيجابياته وسلبياته، وإلقاء الضوء على جذور هذا الواقع وأسبابه، والاستفادة من ذلك كله في التخطيط لمستقبل أفضل لأمتنا. لقد قاد الوطن العربي المسيرة الحضارية للإنسان منذ أقدم العصور، ففي العراق الذي هو جزء منه نشات أقدم الحضارات الإنسانية، وعلى أرضه ظهرت الفنون، وأصبح في العصور الإسلامية مركزاً للإشعاع الفني والحضاري الإنساني. وقد أعطى الوطن العربي من ابتكاراته في الفنون الأمم الأخرى، وإن أعظم ما قدمه للأمم الأخرى من ابتكاراته في الفنون هو فن العمارة وينبغي أن تكون تلك الابتكارات حافزاً وباعثاً على التفكير في إعادة النظر في اغراضها، والعمل على إنشاء مدرسة معمارية عربية جديدة تقوم على أسس علمية مدروسة، كما ينبغي أن يكون الوعي على التراث مصدر قوتها لتحقيق طموحات العمارة المستقبيلة وينبغي أن تقوم على تخطيط علمي سليم، والقضاء على جميع المشكلات والسلبيات التي تعاني منها العمارة العربية نتيجة التأثيرات الغربية، والانطلاق بها من خلال نظرة فلسفية عربية واضحة والاستفادة من تجارب الأقدمين، وإني لا أعني من ذلك إعادة الماضي وتكراره، وإغفال التقدم الذي أحرزته الإنسانية في العمارة في عصرنا الحاضر. وفي ضوء ذلك كله ينبغي على المعماري العربي أن يؤدي دوره في تحقيق الأهداف المنشودة من خلال الالتزام بالتراث والموضوعية، وينبغي على الفنان العربي أن يهتم بماضي أمته قبل أن يهتم بماضي الأمم الأخرى، كما أن الفنان لا يستطيع التطور من دون شعوره بمعاصرة الحداثة، ولا بد له أن ينتقل إلى الحداثة بخياله ووجدانه، وأن ينغمر في أجواء حضارته وبيئته وثقافته، وأن يعايش مجتمعه بجميع شرائحه في تقاليدهم وأعرافهم وتفكيرهم ومشاكلهم وهمومهمن وأن ينفذ بفنه إلى عقيدتهم وأسلوب حياتهم ليدرك ما يفكرون به وما يتذوقون، ويعبر عن الحقيقة التي تحرك مشاعرهم وتوجه سلوكهم، فهناك تفاعل بين حاضر الفنان وماضيه الذي نشا عنه رؤية الإنسان المعاصر لإنسان الماضي، وهي رؤية ممتزجة بانفعالات الفنان ومطامحه، ولا يمكن للفنان أن يكون صادقاً في تعبيره إلا إذا عبر بكل شعوره ووجدانه عن العصر الذي يعيشه في أعماق أعماقه، وجند له خياله وثقافته وفكرهن وفي هذا ما يجعل اعماله تحمل سمات عصرهن ولذلك فإننا بحاجة إلى فنان عربي يؤمن بماضيه، ويحمل مواصفات دقيقة من البحث والتقصي والتحليل والتعليل والاستنتاج بعقلانية، تجعل المشاهد يدرك أن أعماله مفهومة وهادفة دون أن يعكس أفكار الآخرين الغرباء التي تتميز بعدم الموضوعية والبعد عن العقلانية، مما كان له الأثر السيء في تشويه حقيقة الفن من خلال ما قدموا من أشياء متناقضة نقلها الفنانون العرب دون إدراك مقاصدها، وفي الحقيقة أن نقل الأفكار الغريبة في الفن معضلة كبيرة تواجه الفن العربي، وتواجه طلبتنا في المعاهد والجامعات العربية المختصة بالفنون. هذه الأفكار وجدت في الغرب ليس من أجل مبدأ أو غاية نبيلة تخدم أهداف المجتمع، بل من أجل إشباع رغبات ونزوات الفنان الغربي ذاته، ومن أجل طبقة أرستقراطية تمثل قلة من الشعب، ولذلك فإن ما تقدمه هذه الأفكار من فائدة تكون غير هادفة، وغير ذات قيمة لدى الطبقات المتوسطة والفقيرة من الشعب، أضف إلى ذلك بأن تلك الأفكار تقتل روحية الفن العربي الذي نحن بأمس الحاجة إلى إنشائه، فالأمة بحاجة إلى توظيف الأفكار الهادفة في إنشاء مدرسة عربية تساهم في تعزيز ثقة الفنانين العرب بأنفسهم، واستلهام روحية تراثهم بدلاً من ضياع الوقت والجهد في نقل أفكار غريبة غير هادفة لا تخدم الأمة. أما من ناحية تدريسها لطلبتنا فإننا نجد فيها من المغالطات والافتراضات والمتناقضات الكثيرة التي لا تجعل طالب الفن يستاء منها كثيراً فقط بل لا يرغب حتى في دراستها أو سماعها، وهذا في الواقع أخطر مشكلة تواجه دراسة الفن وتدريسه في معاهدنا وكلياتنا المختصة، حيث أدخلت هذه الأفكار ضمن المناهج العملية والنظرية في تدريس الفنن دون أن يكون لدراسة التراث الفني نصيب فيها، وإن وجدت هذه الدراسة فإنها سطحية يمر بها الطالب بشكل عابر. إن تدريس الفن لطلبتنا يجب أن يكون للتراث فيه نصيب كبير ليتم من خلاله التأكيد على الرموز البارزة في تاريخ الفن العربي الذين على أيديهم صنع هذا التراث، ومن أجل أيضاً أن نعزز في نفس الطالب الإيمان بتراثه والشجاعة والإقدام لتدريب خياله وحسه على الابتكار والإيداع، والابتعاد عن تقليد المدارس الحديثة الغربية في الفن، فهذه الأفكار التي ابتدعها الغربيون، ودخلت معاهدنا وجامعاتنا في الفن قد ضيّعت في عيون أبنائنا الطلبة صورة الابتكارات والابداعات العظيمة والخالدة التي تركها لنا الفن العربي الإسلامي بحضارته الإسلامية التي وصلت راياتها من حدود الصين شرقاً إلى سواحل المحيط الأطلسي غرباً، فيجب أن تبرز هذه الإبداعات والابتكارات إلى طلبتنا، ونجعل من دراسة تاريخ الفن العربي الاسلامي مادتهم الرئيسة في معاهد وكليات الفنون، لأن هذا التاريخ هو فخر واعتزاز لأمتنا العربية، وتعمق في أنفسهم الإيمان التام بموروثهم الفني والشعبي كونه وريثاً لكل الحالات الإبداعية المشرقة في تاريخ الأمة، فالتمسك بالتراث يعزز الكرامة والشرف عند طلبتنا، ونزيل عنهم كل عوامل التبعية والتخلف والترديد والتقليد، لأن أبرز حالة أكدت عليها العناصر المعادية للأمة هو كسر نفسية الفنان العربي، وإضعاف الروح الإبداعية لديه من أجل أن تجعل منه حالة متقلبة. ولذلك يجب أن يتركز تدريس الفن في معاهد وكليات الفنون على تعزيز جانب الثقة بالنفس لدى الطالب من أجل خلق الشخصية العربية القادرة على مواجهة الصعاب. فالغربيون لم يقتحموا بلادنا العربية بعاسكرهم فقط بل اقتحموها بسلعة فكرهم الذي أكد على تفتيت الشخصية القومية مما مكنهم من السيطرة العسكرية والفكرية، فنحن إذا عززنا في نفسية طالب الفن هذه الحالة فإننا قد ضمنا البناء السليم له، وبناء شخصيته القومية فلا يقلد، أو يردد، أو ينقل تجارب غيره، إذن لا بد من أن نجعل من دراسة تاريخ الفن العربي الإسلامي صورة ذات معنى لأبناء العصر، لأن روحية الفن العربي الإسلامي لا يمكن أن تفهم وتستوعب وتستلهم إلا من قبل أبناء هذه الأمة، ولأن استلهام روحية هذا الفن تمثل هاجسنا ودافعنا الأول والأخير، ولأن هذه الروحية لا يمكن أن نتلمسها إلا من خلال الإيمان بها والحرص على إبرازها، ونحن في وقت أحوج ما نكون فيه إليها إذ هي الركيزة التي تقدم الغذاء للنفس العربية المتوئبة المنطلقة نحو إيجاد مكانتها ووجدانها في الفكر العالمي، وإن استلهام عناصر هذا الفن لا يعني إعادتها، أو التوقف عند استحضارها، بل تتجاوز ذلك إلى خلقها من جديد، ومن هنا كان تجربة إعادة الزمان الماضي بشكل جديد، لأننا نرى المستقبل دائماً من خلال الماضي لنضمن أن بنية الفن العربي المعاصر بنية تراثية تربط الماضي بالمستقبل من خلال الحاضر ربطاً يساعده على التوجه إلى التراث، واكتساب التجربة التراثية، واستلهام روح الماضي بإيمان وتفاؤل نحو مستقبل مشرق ومنفتح على آفاق العالم وعلى التجربة الإنسانية، ومن هنا كان التوافق الصادق بين الوجدان وروح التراث، حيث تنشأ التجارب الإنسانية على محور الذات، ولذلك فنحن نهدف من استلهام التراث إلى الكشف عن روحيته، وإبرازها واستلهامها لكي تكون عاملاً من عوامل وحدة الأمة وقوتها، ومن أجل أن نعزز عامل الثقة بالنفس لتصبح دراسة التراث واستلهامه دراسة هادفة نافعة وليست مجرد عابرة سطحية كما هو الحال في معاهدنا وكلياتنا المتخصصة بالفنون. ويجب أن تكون دراستنا شاملة لكل حالات الفن العربي الإسلامي واتجاهاته، وبالأخص الحالات الإبداعية المشرقة منه، وإزالة ما علق في أذهاننا من أن العرب ليس لهم نشاط فني يذكرقبل الإسلام وبعده، وأنهم اقتبسوا أساليب الفن وأصوله من حضارات أجنبية مجاورة، وأن الفن العربي الإسلامي خليط من أساليب واتجاهات فنية مقتبسة من تلك الحضارات، وغير ضلك من الإدعاءات المغرضة التي تنكر دور العرب في التراث الفكري الفني، وحتى في التراث العلمي والأدبي. والفن العربي الإسلامي ليس كما يتصوره الغربيون من أنه مقتبس من حضارات أخرى أجنبية مجاورة، إن افن العربي الإسلامي في فتراته الأولى لم يقف عند حد الإقتباس الذي كان سائداً آنذاك، بل استغل كافة الإمكانات والتأثيرات في تجارب الأمم الأخرى، وطورها إلى أن بلورت صيغة عامة جديدة له اشتركت فيها مختلف الأقاليم الإسلامية بالرغم من اختلافاتها المكانية والموقعية، وكانت هذه الصيغة تحمل الهوية أو الخصوصية الإسلامية في الفن، وشجعت على التنوع الشديد ضمن وحدة الأقاليم الإسلامية، وبهذا الشكل حافظ الفن العربي الإسلامي على خصوصيته التي لا تزال تذهل الغربيين في كل مكان، والمصادر المعتمدة في تاريخ الفن العالمي تؤكد لنا أن الفنانين العرب قد وصلوا في فن العمارة إلى شأن يضارع أحسن ما وصل إليه الفنانون الغربيون من ناحية الأسلوب والإنشاء، وأن العرب سبقوا غيرهم في البناء والعمارة، فنشأت عندهم العمارة منذ العصور الحجرية الحديثة، ومع نشأة التاريخ تطورت أساليبها وقواعدها مع تطور فكرهم واتساعه، وتعددت اتجاهاتها وأغراضها إلى أن تبلور عندهم فن معماري أصيل بديع وجميل في العصر العباسي الذهبي، وانتقل تأثيره إلى اسبانيا (الأندلس)، وإلى إيطاليا، وجنوب فرنسا، وإلى معظم بلاد أوروبا الغربيةـ وجزء من أوروبا الشرقية. وإن العمارة العربية الإسلامية كانت تنسجم تماماً مع العقيدة الإسلامية السمحاء، واستغلت كافة المواد الإنشائية من خشب وزجاج ورخام وآجر ومعادن وجبص وطين وغير ذلك، ووظفتها لصالح البناء بصورة فريدة وجميلة، وهي بذلك لم تكن تقف عند حد في المستوى التكنولوجي الذي كان سائداً قبل نشأتها، بل إنها على العكس من ذلك استغلت كافة الإمكانات، وتأثرت بأساليب الحضارات الأخرى، وطورتها إلى أن بلورت مدرسة معمارية إسلامية جديدة اشتركت فيها مختلف البيئات المحلية في الدولة الإسلامية بالرغم من اختلافاتها المكانية والموقعية، وكان لهذه المدرسة من الخصوصية الإسلامية في العمارة، ولم يكن مفهومها ثابتاً بل كان من المرونة بحيث شجعت التنوع الشديد ضمن الوحدة، وبهذا الشكل حافظت على خصوصيتها التي لا تزال تذهل أفكار المعماريين في كل مكان، ولفترة زمنية طويلة استمرت لأكثر من ألف سنة، اعترف عدد من المستشرقين المنصفين بالقيمة الجمالية والإبداعية للعمارة العربية الإسلامية والتي انفردت بها الحضارة العربية الإسلامية والتي لا نعرف لها نظير في الحضارات الأخرى، وهذا هو السبب الأساسي الذي جعل الغربيون ينذهلون بها، ولقد اهتم مؤرخو العمارة الغربيين بالعمارة العربية الاسلامية وأشاروا إليها في أبحاثهم، واستلهم عناصرها المعماريون الغربيون في القرون الوسطى وحتى العصر الحاضر. ونحن في هذا البحث نطالب بإنشاء مدرسة معمارية عربية إسلامية معاصرة، فهي على الرغم من صعوبتها كما يبدو فنحن واثقون بأننا قادرون على ذلك لأنها الأمل الوحيد لإعادة مجد عمارتنا القديمة، ومن أجل أن يظل النقاء العربي فيها، لأنها الصورة الحقيقية التي نطمح إليها، فعلينا إذن أن نبتعد عن كل الفلسفات الأجنبية الدخيلة على عمارتنا مع نظرة متوازنة بين الحداثة وما نختاره منها، وبين الأصالة في فن العمارة الإسلامية، ولكون علم العمارة العربية الاسلامية إرث لنا ونحن أولى وأحق به من غيرنا، فإن إيجاد مدرسة عربية معمارية معاصرة أمر مرهون بنا، ولدينا من الأسس والمعرفة العلمية والخبرات الفنية ما يمكننا من إيجاد أرضية مشتركة لأعظم مدرسة معمارية عربية تتولى البناء والإعمار في البلاد العربية. فعلينا التعرف على أهم الأساليب والاتجاهات المعمارية التي استخدمها المعماريون العرب في ذلك الوقت، والوقوف على ابتكاراتهم وإبداعاتهم في مجال العمارة، والقيام بعملية تحليل وتعليل واستنتاج واستلهام للعناصر المعمارية والمواد الإنشائية التي استخدموها. وظهرت محاولات سابقة بين المخططين والمعماريين المسلمين في تعميق مفاهيم التراث الحضاري للمدينة الاسلامية وعمارتها، وتحريك المدرسة المعمارية الإسلامية في هذا الاتجاه، ونشر الوعي الحضاري لدى المواطنين في كافة الأقطار العربية والإسلامية حتى تتفاعل مع البيئة الجديدة التي تضمن الاستمرار الحضاري للمدينة الإسلامية المعاصرة. وفي عام (1977)م دعا (الآغا خان) إلى تخصيص جوائز لأحسن المشروعات المعمارية التي تعكس الروح الإسلامية، وفي هذا الشأن أيضاً دعا المفكر (سيد حسني نصر) عميد المعهد الإيراني للفلسفة إلى دراسة التحولات التي طرأت على عقل الإنسان المسلم المعاصر وروحه التي تنعكس مظاهرها على العمارة المعاصرة في العالم الإسلامي. ومن خلال اللقاء الفكري بين المعماريين العرب في ندوات ثقافية عديدة أكد هؤلاء المعماريون على تعميق مفاهيم التراث الحضاري العربي الإسلامي في العمارة العربية التي سبقتنا في هذا المضمار بعض المحافل الدولية التي أجرت بعض الدراسات في هذا الموضوع، ومنها المجلس الأوروبي للمحافظة على التراث الحضاري للمدينة الأوروبية. فإذن ينبغي على المعماريين العرب إقامة الندوات، وتشجيع التأليف في هذا المجال للمساعدة على تأصيل التراث المعماري العربي الإسلامي، وبعث الروح العربية الاسلامية في العمارة العربية المعاصرة، وتوجيه طلبة العمارة في دراسة القيم الجمالية في العمارة العربية الإسلامية ومعالجتها على ضوء التطور التكنولوجي للبناء وعلى أسلوب معاصر. إن الدراسة الجدية والعميقة للأنماط المعمارية العربية والإسلامية القديمة بالرجوع إلى المادئ والأسس والفلسفات الإسلامية والأخذ بها يمكننا من إيجاد صورة متكاملة لمدرسىة عربية إسلامية معمارية تربط الماضي بالحاضر، وتضع الخطوط الأساسية للمستقبل، وتعبر بصدق عن الشخصية الإسلامية النابعة من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، وإن العمارة الحالية ليست عربية وإسلامية الجذور، إنها عمارة مستوحاة من الفكر الغربي، وقد لوحظ هذا الاتجاه منذ مطلع القرن التاسع عشر حيث ترك المعماري العربي المسلم تراثه وقيمه، وارتمى في أحضان الحضارة الأوروبية تحت مفهوم التقدم والتطور، فظهرت هذه التيارات الفنية ليس في العمارة فحسب بل في الرسم والنحت أيضاً مما هدم كل القيم والمفاهيم والمعايير الجمالية التي كانت سائدة، وأوجدت هذه الهوة الواسعة بين الفنان والمجتمع الذي يعيش فيه، وقد ذهبت تلك العمارة التي كانت تعبر تعبيراً حقيقياً عن الشخصية الإسلامية، واستلهمت زخارفها وعناصرها من الوصف القرآني للكون، وقد يتصور الفنانون والمعماريون المبهورون بثقافة الغرب أننا بهذه المحاولات نحاول إعاقة التقدم والتطور والرجوع إلى عمارة القرون الوسطى، أو إعادة استعمال الأشكال أو العناصر المعمارية القديمة دون أن ندخلها في لغة معمارية جديدة تتناسب مع العصر الذي نعيشه. إن القدرات التي تتوفر لدى المعماريين العرب، والتجارب الوخبرات التي تجمعت لديهم، والوسائل الدائمة التطور والعلم والتكنولوجيا وأخيراً الثروات الطبيعية المتوفرة في البيئة العربية، كل هذا يساعد على إنشاء المدرسة العربية المعمارية المعاصرة التي ترتبط بالتراث المعماري العربي الإسلامي، ولا بد أخيراً أن نذكر أن الوعي التخطيطي والمعماري لإظهار التراث الحضاري في المدينة الإسلامية المعاصرة ظهرت آثاره بصورة أوضح في المغرب العربي الذي ظل محتفظاً بكثير من مقوماته الحضارية على الرغم من اتصاله المباشر بالحضارة الأوروبية. هذا وجرى كثير من المحاولات من منظمات دولية ومن الحكومة المغربية للمحافظة على مدينة فاس القديمة بعمرانها الإسلامي القديم، وفي هذا البحث نؤكد على أن الحضارة العربية الإسلامية لها سمات ومقومات الحضارة الشاملة المتكاملة والمستمرة، وتحتل مكانتها الفكرية والثقافية في الحضارة الإنسانية، وفي التفاعل معها، وتعد الحضارة العربية الإسلامية أول حضارة في تاريخ البشرية اتسمت بالإنسانية، إذ جمعت شعوباً من قوميات مختلفة، وجانست بينهم وقدمت إنجازات عظيمة للإنسانية في الفنون والعلوم والمعرفة، فاستفاد منها الغرب لاحقاً، وكان لهذه الحضارة فضل كبير على الغرب، إذ وضعته على أعتاب نهضته الحديثة. وقد سعى المتعصبون من متعلمي الغرب إلى إنكار هذا الفضل في مختلف نواحي الحياة المادية والفكرية والعلمية، فتعرضت هذه الحضارة لبعض التشويه والتضليل، وإن من أهم ما قدمته هذه الحضارة من إنجازات هو فن العمارة، فقد استفاد منها الغربيون، واستلهموا عناصر معمارية كثيرة منها أضافوها إلى عمائرهم. ومما لا ريب فيه أن العرب اقتبسوا الكثير من العناصر المعمارية لحضارات أخرى مجاورة وخاصة اليونانية والبيزنطية فدرسوها دراسة علمية، ومع الزمن كان لهم دورهم المبتكر المميز الطابع في العمارة، وأخذوا أبضاً من أساليب العمارة القديمة لحضارة وادي الرافدين واستلهموا من عناصرها، وأخيراً استطاعوا أن ينفردوا بطابع إسلامي مميز فريد في نوعه في العمارة العالمية، وقد انتقلت الفنون والعلوم والمعرفة إلى أوروبا عبر معابر سلكت مناظق الأندلس وصقلية وجنوب إيطاليا وسواحل الشام، فقد شكلت مدن تولوز ومرسيليا وفاربوك ومونبليه واللورين وكولون وغيرها من المدن الأوروبية مراكز مهمة للحضارة العربية التي واصلت انتقالها إلى عمق أوروبا. وابتداءً من منتصف القرن الحادي عشر الميلادي شهدت مدن الأندلس وصقلية وسواحل الشام جهوداً كبيرة بذلها العلماء والباحثون والفنانون والمعماريون الأوروبيون للاستفادة من التراث العربي الإسلامي، فأصبح معظم التراث العلمي والفني والفكري العربي في متناول الغرب عن طريق ترجمات لاتينية رصينة، وفي نهاية القرن الخامس عشر الميلادي التي تسمى فترة الاستعراب تكونت وتطورت أسس قيام حضارة جديدة في أوروبا تمتاز بالتأثير العربي الواضح، حيث غذت الفنون والعلوم العربية الإسلامية الفكر الأوروبي بدم جديد، وفتحت أمامه طريق الانطلاق فكان عصر النهضة الأوروبية، والاكتشافات الجغرافية في العصور الحديثة بكل عطاءاتها وإنجازاتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية. أما بحثنا هذا فيتناول أهم الطرز المميزة للعمارة العربية الإسلامية التي تميزها عن غيرها من الطرز المعمارية، ويندر أن نجد في عمارة العالم تجانساً بين تقنية البناء والتصميم العام، والتكوين الإنشائي والزخرفي في تشكيلة معمارية واحدة مثلما نجد في العمارة العربية الإسلامية، ويندر أن نجد في عمارة العالم عمارة قدمت عطاءات كثيرة للإنسانية مثلما قدمتها العمارة العربية الإسلامية، ويندر أن نجد عمارة من عمارات العالم اهتمت بجمال مبانيها مثلما اهتمت العمارة العربية الاسلامية، فقد اهتمت بتحلية مبانيها بأنواع من الزخرفة الهندسية والنباتية والخطوط العربية، وابتكرت عناصر وأشكال زخرفية معمارية عديدة لم نجدها في أية عمارة من عمارات العالم الأخرى تعطي إحساساً فائضاً بالجمال، وأصبحت من أبرز المعالم الجمالية في العمارة العربية الإسلامية وجاءت متلائمة ومنسجمة مع مفهوم الوظيفة المعمارية، والمتطلبات الفراغية في العمارة. وكان القرأن الكريم والحديث النبوي الشريف المصدرين الأساسين اللذين اعتمد عليهما المزخرف المسلم العربي، ومن أمثلة ذلك ما كتبه الفنان العربي المسلم باسم الجلالة في قصور الحمراء بورق الشجر، فإنه بذلك لم يقصد الزخرفة فحسب بل كان يحاول التعبير عما أمكنه استلهامه وتصوره من سور القرآن الكريم أيضاً، وقد نرى أوراق النبات في التشكيل تتمايل وتتعانق وهي تنطق باسم الجلالة، وقد أشار (السمهودي) إلى ما أورده مؤرخ المدينة (ابن ذبالة) في الثاني الهجري عندما شاهد الزخارف بالفسيفساء على حيطان المسجد النبوي التي عملت في عهد الخليفة المهدي العباسي، فبسؤاله العمال عن هذه المصورات كان الرد: (( إنا عملناه على ما استوحيناه وتصورناه في وصف الجنة وقصورها في القرآن الكريم))، وإن الوصف القرآني للجنة كان الإلهام والمصدر للفنان في عمله بالمدينة، وهو بكل تأكييد ما حدث أيضاً عند وضع الزخارف بالفسيفساء على حيطان الجامع الأموي في عهد الوليد بن عبدالملك، فكل ما عمله الفنان العربي المسلم في تزيين الجوامع وأمكنة العبادة وحتى بناء القصور هو استلهامه وتصوراته من خلال الوصف القرآني للجنة وأشجارها وأنهارها وعيونها، وأماكن الجلوس بها. وقد ظهرت براعة الفنان المسلم في الصور والزخارف الفسيفسائية المصورة على حيطان القصور الأموية في الأردن بادية الشام كقصر الحير الغربي والشرقي وقصر المفجر وفي الجامع الأموي بدمشق وقبة الصخرة في القدس في إظهار حركة الظل والنور والتناسق والتكامل في ألوان الأشجار والسماء والأرض، وديناميكية حركة المياه والعيون. لقد كان للعمارة العربية الإسلامية جمالية لها نكهتها الخاصة التي ترتبط برؤية روحية مستوحاة من القرآن الكريم والأحاديث النبوية، ولقد تناول هذه الجمالية عدد من المستشرقين ومؤرخي الفن الاسلامي في وقت متأخر، فنقلوا لنا في كتبهم بهاء هذه العمارة وجمالها الطريفين دون أن يكون في مقدورهم معرفة سرها، فقد درسوا العمارة الاسلامية دراسة آثارية، ولكن لم يدرسوا هذه العمارة على أنها فن ذو بعد خاص، ولذلك فأن التحليل الجمالي للعمارة العربية الإسلامية ما زال يخضع لمقاييس غربية كما يقول (عفيف بهنسي) في كتابه ",جمالية الفن العربي الإسلامي",. وإضافة إلى الجانب المعماري فهناك جوانب فنية وعلمية ومعرفية أخرى تكتمل فيها صورة التأثير، وحجم العطاء العربي الإسلامي لأوروباحيث جعلها تتربع على عرش الفنون والعلوم والمعرفة بكل فروعها، وحيث رسمت حضارة العرب للغرب وللانسانية جمعاء السبل السليمة، والمنهج الوصفي لتطوير العلوم، الارتقاء بها باستمرار لخدمة الإنسانية جميعها. ويشتمل هذا الكتاب على مفالات ودراسات للمؤلف نشرت له في الصحف المحلية والمجلات عن العمارة العربية الاسلامية والزخارف المعمارية وجمالياتها وتأثيراتها على العمارة الغربية. وقد قمت بتوزيع هذا الكتاب إلى ستة أبواب، ففي الباب الأول دراسة الشخصية العربية الإسلامية في العمارة العربية المعاصرةن وفي الباب الثاني العرب رواد في العمارة، والباب الثالث دراسة المظاهر والعناصر المعمارية المميزة للعمارة العربية الإسلامية، وفي الباب الرابع دراسة الزخارف الآجرية والجبصية والرخامية المعمارية، وفي الباب الخامس دراسة جمالية العمارة العربية الإسلامية وفلسفتها الجمالية، وفي الباب السادس دراسة التأثير العربي في العمارة الأوروبية في القرون الوسطى، وأنهيت هذا الكتاب بصور توضيحية وبمراجع الكتاب، ثم اختتمنا الكتاب بخلاصة عن المهندس المعماري العربي في مبدأ العمارة العربية الاسلامية.