مما لا شك فيه أن الإنسان أسير ماضيه وأسير طفولته، ولذلك فإن ما نلاحظه من مظاهر السواء والصحة والتكيف والانتماء إنما مرجعه إلى ما مر به الفرد من سنين طفولته ومراهقته، وكذلك فإن ما نلاحظه من شذوذ وأمراض واضطرابات وشطط وعنف وإرهاب وتزمت وجريمة وانحراف وجنوح، مرده إلى ما مر به الفرد من خبرات غير مؤاتية في مرحلتي الطفولة والمراهقة. ذلك لأن تلك الخبرات تترك بصماتها قوية وراسخة في شخصية الفرد طوال حياته، ولذلك فإن الطفولة السوية المتكيفة تقود إلى مراهقة سوية، والمراهقة السوية تقود إلى شباب سويّ وهكذا...

حياة الإنسان حلقة متصلة يؤثر فيها السابق في اللاحق. ومن هنا تبدو أهمية مرحلة الطفولة والمراهقة في وقت تسعى فيه الأمة العربية الناهضة في إعادة بناء الإنسان على أسس من العلم والإيمان والخلق القويم، وتسعى فيه لإقامة نهضتها وزيادة إنتاجها والإنسان هو عصب الاقتصاد والسياسة، وكل مجالات النشاط. ولذلك يلقى هذا الكتاب بعض الأضواء على مظاهر النمو في مرحلتي الطفولة والمراهقة والعوامل المؤثرة في عملية النمو وما قد يواجه الطفل أو المراهق من المشاكل النفسية أو الجسمية، أو الأخلاقية أو لا أخلاقية، مع الإشارة إلى أساليب التنشئة الاجتماعية والروحية والأخلاقية والعلمية والسياسية والمهنية وغرس قيم الانتماء العربي والإسلامي والوطني والأسري في نفوس النشء والأجيال الصاعدة.