يعتقد علماء النفس الذين عالجوا مشكلة الأحلام بأن حياة الإنسان البيولوجية تخضع لإيقاعات دورية خاصة أهمها تتالي حالتي اليقظة والنوم. ويستغرق النوم حوالي ثلث حياة الإنسان، وينخفض مستوى النشاط الحركي والذهني كثيراً أثناء النوم ولكنه لا ينعدم. فليس النوم بحالة سلبية بحتة بل هو وظيفة بيولوجية لها مركزها العصبي في الدماغ ومنفعتها في تعويض ما فقده الجسم من الطاقة أثناء النهار. ولا تكومن العضلات في حالة ارتخاء تام بل تظل محتفظة بشيء من التوتر والدليل على ذلك، الأوضاع المختلفة التي يتخذها الشخص أثناء نومه من غير شعور منه. وإذا صح القول بأن عتبة الإحساسات المختلفة ترتفع أثناء النوم بحيث لا يعود النائم يشعر بما يدور حوله فإنه على الرغم من ذلك قد يستجيب أحياناً بطريقة آلية لبعض المنبهات الخارجية.

وكذلك لا يكون ذهن النائم في حالة سكون تام فإذا كانت بعض المراكز العصبية الدماغية في حالة شبيهة بحالة التحذير العميق، فلا يزال بعضها الآخر يواصل نشاطه ولكن على نحو ضئيل منقطع، فقد تثير التنبيهات الخارجية أو التنبيهات العفوية الداخلية ألواناً من الصور الذهنية يراها النائم وهي ما تعرف بالأحلام. غير أن هذه التنبيهات ليست سوى علل عرضية لإثارة أحلام تنطوي على معان تفوق في دلالتها المعاني التي يكشف عنها مجرد النظر إلى طبيعة تلك المنبهات. فالنشاط الذهني وأن كان قد انخفض مستواه لا يزوال يعمل. ويبدو هذا النشاط لا فيما تتخذه الصور التي تثيرها التنبيهات الحسية من أشكال مركبة مختلفة، بل في بعث صور جديدة وتنظيمها وفقاً لمنطق مخصوص هو منطق الأحلام المختلف عن المنطق الذي تسير بمقتضاه أفكارنا أثناء اليقظة.

وفي هذا الكتاب استعراض لآراء العالم النفسي الكبير سيجموند فرويد حول الأحلام وتفسيرها، أسبابها ومادتها، ومصادرها، وأعمالها بالنفس الإنسانية كون فرويد يعتبر من الناحية العلمية التحليلية على رأس علماء النفس الذين عالجوا هذه المشاكل بأسلوب علمي دقيق، معتمداً على خبراته الواسعة واكتشافاته وتجاربه المتواصلة.