وصف الكتاب
إن مفهوم الطفولة البالغ الأهمية بالنسبة لطريقة الحياة بصورة عامة مهدد بالانطفاء في المجتمع الذي تمّ ترسيخ أسسه. لقد أصبح طفل اليوم الضحية غير المقصودة لضغطٍ طاغ، الضغط الذي تولد من التغيير الاجتماعي السريع والمذهل والآمال المتنامية باستمرار. يعيش الوالدان اليوم في ظروف ضاغطة نتيجة للمطالب الحياتية المتسارعة، والتحولات، وتغير الدور، والشكوك الشخصية والمهنية، التي ليس لأيٍّ منهما يد في توجيهها.
وهذا بدوره له انعكاسه على البيئة المنزلية وعلى تربية الأطفال. فإذا تمخضت تربية الطفل عن شده؛ فإن الأبوين يأملان برفع جزء عن عبء القلق والتوتر باستعجال نمو طفلهما ومعاملته معاملة الكبار، ويجعلاه يشاركاهما في رفع عبء الحياة، وهما بذلك لا ينويان إلحاق الأذى بطفليهما، بل على العكس، فقد أصبحا كمجتمع، يتصوران أن النضج السريع مفيد للجيل الفتي، إلا أنهما بذلك يؤذيان أطفالهما فعلاً بالاستعجال بانقضاء فترة طفولتهم.
وقد لفت النظر إلى هذا الأمر الخطير رائد النظرية الحديثة للطفولة الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو. فهو أول من انتقد الطرق التعليمية التي تقدم المعلومة من منظار الكبار فقط، بما يعكس قيم الكبار ومصالحهم. ويقول روسو بأن التربية الكلاسيكية، أو قيمة نقل تراث ثقافي/اجتماعي، أمر جيد، لكن عملية التعليم يجد أن تأخذ بالاعتبار مفاهيم الطفل ودرجة تطوره. كتب روسو في كتابه الشهير أميل أن الطفولة لها طريقة خاصة في النظر إلى الأشياء وفي التفكير والإحساس، وليس أحمق من محاولة استبدال طفولتنا بطفولتهم.
إن ضغوط الحياة ما زالت تساهم في تسريع عجلة نمو الطفل، وما زال مفهوم قدرات الطفل، الذي كان الدافع الأكبر وراء استعجال الطفولة في العقود السابقة ما زال سائداً اليوم، والآباء ما زالوا يخضعون لضغوط أكبر من أي وقت مضى لحشر أوقات أطفالهم وإقحامهم في برامج رياضية منظمة ونشاطات أخرى قد تكون غير ملائمة لأعمارهم، والمزعج هو أن المبالغة في إخضاع الأطفال لامتحانات في المدارس العامة أصبح أشد وطأة مما كان منذ عقد مضى.
حتى أن بعض الأماكن تخضع أطفال الحضانات لامتحانات قاسية. كما أن ضغوط وسائل الإعلام لتحويل الأطفال إلى مستهلكين قد تعاظمت بشكل كبير جداً، كما ازداد ترويج العنف بين الأطفال والشباب من خلال الموسيقى العنيفة، والأفلام ألعاب الفيديو التي تعرض على الأطفال والشباب دون السن القانونية.
حول تلك المواضيع يدور الحديث في هذا الكتاب ",الطفل المستعجل",، حيث يطرح مؤلفه الدكتور ديفيد إلكايند الأستاذ في دراسة الطفل المقيم في مركز لينكولن فيلنس في جامعة تفتس، يطرح الدكتور إلكايند موضوعاً من أهم المواضيع حساسية وخطورة على صعيد المجتمع الأمريكي بصورة خاصة، وعلى صعيد المجتمعات كافة بصورة عامة.
يمثل الموضوع المطروح هماً عالمياً مشتركاً، يشكل أزمات على المستوى العائلي لسائر المجتمعات. يحاول المؤلف طرح مشكلة النمو وبالأحرى التنامي السريع والمبكر لطفل اليوم وذلك بموضوعية علمية وذلك من موقعه كمختص في هذا الحقل. لم يكتف الدكتور إلكايند بطرح الموضوع بل إنه بادر إلى وصف الوسائل العلمية الممكنة التي من خلالها بالإمكان تفادي تلك المأساة التي تعيشها طفولة اليوم والتي تتجلى بحرمانها من الطفولة.