وصف الكتاب
إن الحضارة وليدة العقل المبدع والمفكر, ضمن شروط نهضة وحراك البيئة الثقافية والاجتماعية والتعليمية, ويتم تربية هذا العقل وتهيئته للإبداع اعتباراً من المدرسة الرحمية، فالجنين البشري في المنظومة الفكرية الإسلامية يعدّ فرداً يمتلك شخصية متميزة, وخلقاً آخر غير بقية المخلوقات, وطالما أن الجنين فرداً في المجتمع فيجب على أسرته ومجتمعه أن يبدأ بتعليمه وتربيته والتواصل معه، أما أسباب هذا الاختيار:
أ- التأكيد على أهمية الاهتمام بالجنين في مدرسته الرحمية, من الناحية الصحية والثقافية والتعليمية, بعكس النظرة القديمة التي كان ينظر فيها للأم الحامل على أنها مجرد وعاء يحمل الجنين, ويؤمن له الدفء والغذاء والأوكسجين، بينما ينظر للإنسان على أنه مجموعة من الظواهر الفيزيولوجية والتغيرات الفيزيائية الكيمائية التي يبينها المخبر، دون النظر في العلاقات بين العوامل النفسية والثقافية والعضوية, ولكن نتيجة الملاحظات العملية والمشاهدات السريرية بدأ الأطباء والباحثون يهتمون أكثر بالبنية النفسية والبيئة الاجتماعية والاقتصادية والعلمية للفرد، وظهر الاتجاه الكلي في الطب المعاصر the whole man approach، الذي يهدف إلى معرفة مجمل العوامل نفسياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً وعضوياً، والمتداخلة فيما بينها والمؤثرة على الإنسان سلباً أو إيجاباً, والطب الرسمي كان ينظر للجنين داخل الرحم أيضاً على أنه كائن حي يبدأ من لحظة تلقيح البويضة بالنطفة, وتشكل البيضة الملقحة فالمضغة فالجنين، أما سلوكه وحركاته فكانت تعرف على أنها ردود أفعال ومنعكسات فقط.
وكان يَعتقد علماء النفس قاطبةً قبل اكتشاف نفسية الجنين, أن السنوات الخمس الأولى من الطفولة, هي الفترة الحرجة في تكون شخصية الفرد وتحديد مستقبله الاجتماعي والانفعالي, ولكن يجب أن نضيف بأن الشهور التسعة قبل الولادة, هي التي تبنى فيها وتترسخ ذاتية الطفل, وتتحدد شخصيته, ومصيره المستقبلي، وأصبحت الأمومة ذات أهمية بالغة تترتب عليها مسؤولية صياغة الأجيال، أجيال المستقبل، وتوفير السكينة الفعالة, وتكوين شخصية الطفل، فالعلاقة بين الأم والجنين والوليد بمثابة ركيزة أساسية في النمو الثقافي والاجتماعي والتعليمي والانفعالي المبكر عند الطفل.
ب- يمكن تعليم الجنين مكونات الثقافة في المجتمع كالقيم الخلقية والجمالية والفنية كالتربية الموسيقية واللغوية, حيث تتكون الاستعدادات الأولية للوجدان الخلقي والذوق الجمالي للإنسان في مدرسته الأولى (المدرسة الرحمية), ثم تتحول هذه الاستعدادات إلى إدراك واضح, ومعرفة في المنظومة الحضارية والثقافية لأسرته ومجتمعه, خلال مراحل حياته بعد ولادته, ثم طفولته ورشده ونضجه, فالإنسان في حالة معرفية وثقافية مستمرة من مهده إلى لحده, ",ويمكن تعليم الطفل بسن الثانية أو الثالثة مبادئ القراءة والكتابة والحساب حسب المفهوم الرسمي للتعليم", .
ج- يجب أن لا نكتفي في نمو الفرد بإزالة الأمية الصغرى بتعليم الأفراد مهارات القراءة والعلوم والكتابة, وإنما ينبغي إزالة الأمية الكبرى, وهي الأمية الحضارية والثقافية والمعلوماتية, وذلك بتربية وتنمية مكونات التفكير عالي الرتبة عند الإنسان كالتفكير الإبداعي والنقدي والمحاكمة العقلية, بالإضافة إلى تربية وتنمية مكونات الثقافة من قيم أخلاقية وذوق فني وجمالي, إذ ليس الهدف أن نعلم الناس أن يقولوا أو يكتبوا أشياء جميلة فقط، ولكن الهدف أن نعلم كل فرد فن الحياة مع زملائه، أعني أن نعلمه كيف يتحضر، وكل كلمة لا تحمل جنين نشاط معين هي كلمة فارغة، فكلمة تربية اجتماعية وتعليمية تشترك في هذا المصير العام، فهي لا تعني شيئاً إذا لم تكن هنالك وسيلة فعالة لتغيير الإنسان نحو الأفضل, بحيث يتصف عمله بالصلاح ونشاطه بالإنتاج، وتفكيره بالإبداع, ومعاملته بالإحسان, ليعيش مع أقرانه بالاحترام المتبادل، ويكّون معهم شبكة العلاقات
الاجتماعية والروابط الثقافية والحضارية التي تتيح للمجتمع أن يؤدي نشاطه المشترك على أحسن تطور في التاريخ والواقع .
أما أهم أهداف بحث مشروع فتح روضات لتعليم الجنين فهي:
أ- توضيح أن جنين الإنسان هو جنين البناء والنمو, وفقا لبرنامجه الوراثي الموجّه والمنظم لتطوره البيولوجي, وبالتالي الكائن البشري هو ثمرة ماضيه, والإنسان وريث شفرات وراثية مسجلة في صبغياته حتى قبل أن يولد, ووفقاً للبرنامج الحضاري في بيئته الخارجية بما يحويه من منظومة ثقافية وعوامل اجتماعية وعائلية وتعليمية, حيث يعتبر الجنين تلميذ داخلي فعال في المدرسة الرحمية, علينا أن نحترمه ونعلمه, فالبيئة الاجتماعية والأسرية تكوّن التطور الثقافي والتعليمي والتربوي للجنين , ولذلك لاشيء يضيع من خُبرات طفولتنا, وما قبل ولادتنا بل تظل إيحاءات تلك الخبرات توجه حياتنا من الأعماق, إن الأشهر التسعة لحياة الإنسان في رحم الأم تفوق من حيث أهميتها وخطورتها حياة الكائن الإنساني برمتها.
ب- الدعوة إلى فتح روضات لتعليم الأجنة وتثقيفها, وإنشاء مراكز علمية متطورة عربية وإسلامية, تهتم بالدراسات والأبحاث والتجارب العلمية واللغوية والتربوية والتثقيفية والموسيقية المختصة في هذا الموضوع.
ج- الدعوة إلى نشر وتعميم التعليم والتثقيف المستمر للإنسان خلال مراحل حياته كاملةً, اعتباراً من مدرسته الرحمية ومهده, الأمر الذي يساهم في إيجاد الفاعلية والحراك الاجتماعي والتعليمي في العمليات الاجتماعية والثقافية للمجتمع, وتفعيل مشروع النهضة العربية والإسلامية محلياً وعالمياً, وصنع المستقبل المشرق بتوجيه مسير ومصير الطاقات الاجتماعية التي تنحصر في عناصرها البسيطة الثلاثة: اليد والقلب والعقل, فكل طاقة اجتماعية تصدر حتماً من دوافع القلب ومبررات وتوجيهات العقل وحركات الأعضاء, فكل نشاط اجتماعي في التاريخ والواقع مركب من هذه العناصر، والفاعلية تكون أعلى وأسمى في الوسط الاجتماعي الذي ينتج أقوى الدوافع وأقوم التوجيهات وأنشط الحركات، فالتاريخ قائمة إحصائية لنبضات وانفعالات القلب ومواهب العقل وحركات اليد، وهذه القائمة هي صورة الحياة الحضارية للإنسان في مجتمع واحد من عصر إلى آخر, حسب مرحلتي الفعالية والحضارة, أو الخمول والتخلف , ولنا في ذلك أمثلة علمية وثقافية هامة، فلقد ",خلد الرازي في عصر فعالية الحضارة العربية والإسلامية 56 كتاباً في الطب و33 كتاباً في العلوم الطبيعية و8 كتب في المنطق و10 كتب في الرياضيات و17 كتاباً في الفلسفة و6 كتب في علوم ما وراء الطبيعة و13 كتاباً في الكيمياء و10 كتب في مواضيع مختلفة", .
إنه الاستخدام الأسمى والفاعلية الأقوى لعناصر العمليات الاجتماعية والإبداعية: اليد والقلب والعقل, بينما معظم أصحاب الشهادات في العلم والهندسة والطب في عصر خمول الحضارة العربية والإسلامية, نادراً ما يؤلفون كتاباً ثقافياً, بل نادراً ما يكتبون مقالاً علمياً, والأسوأ أنهم نادراً ما يقرؤون, حتى أن بعضهم يصاب بالصداع حينما يبدأ في تصفح وليس نقد مقال علمي أو ثقافي أو أدبي.
إنه الكسل وانعدام الفعالية للطاقات الاجتماعية بعناصرها الأولية: اليد والقلب والعقل, ويكون هدف معظم أصحاب الشهادات العلمية محو الأمية الصغرى بأن يحصلوا على شهادة ومهنة, وأن يحاولوا جاهدين أن يبنوا قصوراً، وليس غايتهم أن يمحوا الأمية الكبرى (الأمية الحضارية والثقافية والمعلوماتية), بأن يبدعوا علماً ومعرفة وأفكاراً عن طريق خبرتهم وتجربتهم وبحثهم المستمر, فالغاية الأولى (بناء القصور) زائلة بتحولها إلى أطلال مع الأزمان, بينما الهدف الثاني (إنتاج العلم والمعرفة), فخالد لمساهمته في تعزيز الوعي العلمي, وانتشار الأفكار العلمية, وخلق ثقافة علمية عربية وإسلامية تشكل الأساس الفكري والعلمي للمشروع النهضوي العربي والإسلامي، فلا يقاس غنى المجتمع بكمية ما يملك من أشياء، بل بمقدار ما فيه من أفكار ومعارف.
إن لفتح روضات لتعليم وتثقيف الأجنة أهمية حضارية عمرانية تنموية استراتيجية،
فالجنين ينمو وفقاً لبرنامج وراثي منظم لتطوره البيولوجي في بيئته الرحمية الداخلية الذي يكتمل في نهاية الشهر السادس من الحمل ثم يبدأ التكوين النفسي الثقافي للجنين وفقاً لبرنامج حضاري في البيئة الخارجية بما يحويه من منظومة ثقافية وفكرية واجتماعية وعوامل نفسية وعائلية.
وهذا يدخل في اهتمامات علم النفس الثقافي Cultural psychology ضمن موضوع علم نفس الجنين , الذي يؤكد بأن الجنين يمتلك طاقات عقلية وقدرات كامنة وذاكرة أولية يجب البدء في تنشيطها تربوياً وثقافياً خلال فترة الثلث الأخير من الحمل في أماكن مجهزة علمياً وفنياً كفتح روضات لتعليم الأجنة بالإضافة إلى مراكز رعاية الأمومة والطفولة التي تهتم بالصحة العضوية والجسدية للحامل وجنينها وتهمل أهم مرحلة تعليمية ثقافية في حياة الإنسان وهي المدرسة الرحمية ونحن نعلم بأن تقنية التعليم العام هي تقديم معلومات عامة من البيئة الخارجية المحيطة بالإنسان إلى الأنظمة الحسية المتعددة التي تنقل تلك المعلومات إلى الجملة العصبية المركزية حيث يتم معالجتها وتخزينها وإصدار الأوامر والتعليمات الحركية والحسية والداخلية المناسبة وطالما إن التكوين العضوي والجسدي لجميع الأجهزة الفيزيولوجية للجنين تصبح كاملة النمو التشريحي في الثلث الأخير من الحمل ومستعدة للنضج الوظيفي عند تفعيل وتنشيط تلك الأجهزة بواسطة تنبيه معظم حواسه وأهمها حاسة السمع ضمن مراكز متخصصة بتعليم الأجنة فلماذا لا نقوم نحن بالمبادرة على مستوى العالم كله ونفتح تلك الروضات لتثقيف وتعليم الأجنة بالتعاون مع مختلف وزارات الدولة كالتربية والثقافة والصحة والتعليم, ونجري أبحاثأ علمية وعملية ميدانية لنصبح مصدرين ومنتجين للمعارف والمعلومات ولنجعل الآخرين من مختلف الدول يأتون إلى عندنا وكأنهم تلاميذ لنا؟
والله سبحانه وتعالى العليم الحكيم الخبير العدل السلام الرحيم العزيز القوي ..الموفق.