وصف الكتاب
لا تعرف مكتبة العلوم الجنائية، على ما تعرف من أسماء كبرى، أي باحثين اثنين في ",السيكولوجيا القضائية", هما التافيلا وفؤاد الصغير. فلقد كتب كالدويل في ",العمل الجنائي بوجه عام",، وفردان في ",علامات الحالة الخطرة",، وبيناتل في ",تقسيم العناصر الجنائية", وفي ",الشخصية الإجرامية",، وفيان في ",الحالة الخطرة", وغيرهم.
إلا أن واحد من هؤلاء الأعلام الكبار ما ترامى في ما كتبه إلى الغرض الذي اجتمع له كتاب ",السيكولوجيا القضائية. ذلك أن المؤلف لم يأخذ أخذ سواه ف يدرس الجريمة والعقاب، بل إنه كتب فصولاً في استدراج المتهم إلى الحقيقة استدراجاً يبادئه بالسؤال العابث، ثم يميله إلى السؤال الجاد، ثم يداوره بالصبر آنا، ويواثبه بالحزم آنا آخر، حتى إذا عرفه بالمشاهدة، واستيقنه بطول الملابسة، وتقصاه بالتسلل إلى نفسه، فبلغ منها كل مدى، أورده عند ذاك، من غر أن يدري موارد الإقرار بالحقيقة.
ويلتفك كتاب الدكتور الصغير إلى ثلاثة: أولها، اعتباره أن ",السيكولوجيا القضائية", ليست رهناً بالجدليات النظرية، ولا حبساً على الآراء العامة، إنها أيضاً نزوع إلى الواقع، ثم نزول عليه، ثم اتصال به اتصالاً عضوياً. ولعل المؤلف يلاقي، في ذلك انتونان بوسون النائب العام التمييزي الفرنسي السابق على كلمة للفيلسوف ",ألن", في كتابه ",بدائيات فلسفية", جاءت كما يلي: ",يقتضي كثير من العلم لاكتناه الواقع",.
كما يلتفك إلى أن الواقع الذي ينزل عليه هو الواقع الذي عاناه بالذات يوم كان قاضياً جزائياً فمسه، يوم ذاك، بنفسه، وعرض له، وخاض فيه، وتدس إليه في مطاوي ضمير المتهم، فإذا هو يرصد على هذا أنفاسه، ويأخذ عليه سبله، وإذا بالمتهم لا يلبث أن يتخاذل دونه. وينتهي الحوار.
كما يلتفك إلى اعتباره أن الكلمة هي أشد آلات ",السيوكولوجيا القضائية", فعالية، وأنفذها إلى ذات نفس المتهم، وأقربها إلى جوانبها، وأوفرها كشفاُ عن مخبآتها، وبالتالي أوصلها بالحقيقة.
وتساق إليك فصول الكتاب في بيان هو بين الإمتاع والإقناع على بعد سواء. فهو من الأدب في بلاغة قد تحددها ",بإجاعة اللفظ وإشباع المعنى", فلا تخطئ، وقد تحددها ",بدنو المأخذ، وقرع الحجة، وقليل من كثير",، فلا تخطئ أيضاً. وهو من العلم في ضبط اللفظة، وإسلاس الصيغة، وصحة القياس.