وصف الكتاب
يشتمل هذا الكتاب على موضوعات متعددة ومتنوعة، جمعت في غالبيتها تحت مفهوم الصحة النفسية، غير أن نقاشها يمكن أن يتم كذلك من منظور المفاهيم العلمية الأخرى، فإذا بدت بعض الموضوعات تقليدية، وبعضها الآخر واقع خارج نطاق موضوعات الصحة النفسية، إلا أن موضوع ربطها بالصحة النفسية هو الذي جعل منها موضوعات تستحق المعالجة من هذا المنظور. وكما هو الحال في غالبية المواقف الحياتية، يضطر المرء للخضوع لمطالب لا يكون على قناعة تامة بها. وعليه فقد جرت إضافة بعض الموضوعات التي قد لا يكون موضعها الصحيح ضمن هذا الإطار، أو كان يمكن إستيفائها بصورة أوسع في مكان آخر، غير أن هذا لا يخرج الكتاب عن إطاره في كل الأحوال. يغلب على غالبية كتب الصحة النفسية المؤلفة في اللغة العربية ", تثبيتها ", على مرحلة خمسينيات القرن العشرين، وتكرارها لنفسها وعن نفسها، ولقلة نادرة منها من إستطاعت الخروج عن هذا الإطار، والتقدم قليلاً نحو ستينات وسبعينات القرن العشرين. وكان كتابي الصحة النفسية للقوصي ونعيم الرفاعي هما الموجه العام التي دارت ومازالت تدور كتب الصحة النفسية في إطارهما دون التمكن من الخروج كثيراً عن إطارهما فيما حدداه في أربعينات وخمسينيات القرن العشرين. ولعل واحد من أسباب هذا التثبيت كون مؤلفي هذين الكتابين كانا من أوائل العاملين في مجال الصحة النفسية في الوطن العربي، وكونهما حددا للجامعات المصرية والسورية مفردات منهاج الصحة النفسية وفق إطار كتابيهما، وأخذت كثير من الجامعات العربية هذا التوصيف أو توصيفاً هجيناً، لا يختلف كثيراً عن الأصل. ومع الأخذ بعين الإعتبار ", ثبات ", إن لم نقل ", جمود ", اللوائح التوصيفية للمقرارات الجامعية، لأسباب كثيرة، منها ربط أي تعديل في محتويات المقررات وتوصيفاتها بمراسيم عليا، وأسباب إدارية ومالية لا مجال لذكرها هنا، فإن الخروج عن هذا الإطار قاد ويقود بإستمرار إلى النظر بريبة وتشكك إلى تلك النتاجات الخارجة عن هذا الإطار، لأسباب تسويقية، وإحتكارية. فيجد نفسه المؤلف في هذا المجال يجتر المحتوى نفسه تقريباً، بإطار جديد، وكأن هذه المفردات والكتب تحولت إلى حالة معيارية شبه مقدسة يصعب الخروج منها، وكأن فيها العلم كله، سارية المفعول وصالحة لكل زمان ومكان، ومع إحترامنا وتقديرنا لمحتويات الكتابين والجهد الذي بذل فيهما. وقد سعيت لإيجاد طريقة للتوليف أعبر منها قليلاً إلى ما بعد السبعينات وصولاً لنهايات القرن العشرين، مثبتاً تارة، وناكصاً تارة أخرى، ونامياً في خطوات لاحقة، فأرجو أن أكون قد وفقت قليلاً. حاولت في هذا الكتاب أن أقدم خلاصة ما أمكن لي أن أصل إليه، مولفاً ما إستطعت توليفه ضمن رؤية إعتقدت أنها قد توصل للهدف، محاولاً قدر الإمكان تقديم المادة من زوايا متعددة، ومن منظور جديد، غير ما هو مألوف في الكتب التي تتناول الموضوع نفسه، ولم أنس أن ما قدمته يمثل خلاصة ما عمل عليه غيري لعقود وقرون والفضل يعود لهم في توفير مادة علمية قمت بتوليفها وتركيبها لا أكثر ولا أقل.