وصف الكتاب
في حالة من حالات الهذيان المحمومة، يركض فكر عبد الله القصيمي المدرك للموجود العاجز عن إدراك الواجد، متأثراً بالطبيعيين والماديين من المنظرين، ومعطياً لعقله المحدود بحدود بشريته دوراً صعباً في إدراك تلك المعنيات التي يعجز العقل البشري عن إدراكها كعجز العين عن تفكيك ألوان الطيف والنظر إليها. ويطرح سؤالاً لم يكن بالعجيب ولم يكن هو فريد عصره عند طرحه؛ إنما هو السؤال الذي دار في خلد كل إنسان واعٍ، وانتهى به إلى حتمية وجود الخالق، إلا أن عبد الله القصيمي ظلّ يدور في فلك ذاك التساؤل الذي أخذه في دوامات لم يَنْجُ من تأثيراتها والتي جعلته إنساناً مستسلماً لأفكاره المعبرة عن سطحية وعن إنسان مقهور في مجتمعه حاول إزالة القهر عنه باسترسالاته تلك يقول القصيمي: ",إنه سؤال لم يسأله أحد من العالم مع أن كل الهوان لكل العالم ألا يتعذب بتساؤله الدائم في كل من في العالم لم يسأله أحد من العالم بالتفاسير والنيات التي يجب أن يسأل بها...!
يقول هذا السؤال بكل الاحتراق والغيظ والغضب والانفجاع: لماذا أيها العالم وجدت. ووجدت كما وجدت؟ بأي منطق أو تدبير أو تفسير أو عبقرية أو أخلاقية... إنسانية أو إلهية أو طبيعية... شيطانية أو ملائكية وُجِدت ووجدت كما وجدت من أجلها...؟ ما هي الرؤية والحاسبات الفنية والجمالية التي أوجدت بذلك؟ هل بالصيغة التي لا يعقل أو يستطاع أو يحتمل غيرها ومن الذي حكم وحكم في ذلك؟ هل وجدت أي كما وجدت من أجلك أم من أجل موجدك إن كان لك موجد أو تقبل أي موجد أن يكون لك موجداً أم من أجل ولسعادة أي كائن آخر...! هل يمكن إيجاد الشيء من أجل نفسه أي أن يكون الموجود هو الموجود من أجله والموجد من أجله هو الموجد؟ هل وجدت أيها العالم أي وكما وجدت بإرادتك واختيارك لصيغة وجودك وباقتناعك بمزايا ومنطقية وأخلاقية وجودك وصيغ وجودك... أليس هذا يعني أنك أيها العالم قد وجدت وعرفت مزايا ومنطقية وأخلاقية وجودك واقتنعت ورضيت بها قبل وجودك؟! إذن أيها العالم يا كل العالم لقد رأيت وفهم ورضيت واخترت وجودك قبل وجودك؟ إن هذا ليس اتهاماً لك وإنما هو إقرار واعتراف بذكائك أو غبائك بكرامتك أو هوائك! ولكن لا: لقد وجدت يا كل العالم دون أن تدري أو تريد أن ترى أو تختار... لهذا أيها العالم كما أنا مفجوع. مفجوع بك ولك من أجلك. وكم يجب أن يفجع بك ولك ومن أجلك كل شيء وكل أحد! لأنك تقبلت ورضيت واقتنعت وشكرت واستسلمت وعبدت وتعبدت لوجودك ولمن زعمته الموجود لك... لأنك تبلدت وهنت وكل هذه البلادة وكل هذا الهوان..", وكان القصيمي قبل طرحه تساؤله هذا، وقبل مضيه في محاكمة عالمه قد نصب محكمة لمحاكمة الإله. وبغض النظر عن استسلامه لأفكاره الموجعة التي تندّ عن معاناة مصدرها إحباطات واجهها في مجتمعه، فإن الكاتب إنما عبّر عن عجز الإنسان وعن وقوف عقله وتفكيره كذلك عاجزين أمام مسائل خاض بها الفلاسفة منذ أقدم العصور ليقروا في النهاية في أن العقل لا بد مذعن بوجود الخالق. أما عن محاكمته الإله فهذا يتيح للقارئ الكشف عن مدى ضياع الكاتب وغرقه في لجج لم يكن باستطاعته النجاة منها سوى بتلك الاسترسالات العقيمة التي لم يطلع منها بأي مجدّ أو جددي من الطروحات أو الأفكار. لم يكن لدى الكاتب من طرح موضوعي مبني على ثوابت علمية، وإنما كانت طروحاته بمثابة حوار مستفيض مع نفسه في تلك المسائل الإلهية والتي ثارت لديه عند رؤيته للعالم الإسلامي قابعاً في حدود أفكار برأيه حدّت من طموحه وجعلته راكداً في مستنقع من الجهالة. بإمكان القارئ الإمعان في طروحات الكاتب ليخرج وبعيداً عن معانيه وعباراته برؤيا يستطيع من خلالها النظر إلى الكاتب ومعاناته بموضوعية، دون أن يكون متأثراً بسطحية أفكاره.