صاحب مزرعة الحيوانات دعا فى مقالاته إلى تفكيك الإمبراطورية البريطانية تعليقاً على ما نشر فى الواحة حول علاقته بالمخابرات.. أورويل هاجم اليمين واليسار ودافع عن الشعوب الضعيفة صاحب مزرعة الحيوانات دعا فى مقالاته إلى تفكيك الإمبراطورية البريطانية فى نوفمبر 1978صدرت عبر سلسلة كتاب اليوم النسخة العربية من رواية مزرعة الحيوانات ، للكاتب البريطانى الشهير جورج أورويل.. وها هو الكاتب الصحفى علاء عبد الوهاب، رئيس تحرير السلسلة، يعاود إصدارها فى طبعة ثانية -عدد أبريل 2015- أى بعد مرور 37عاما.. ولقد أحسن.. حين حافظ على نفس استهلالية الكاتب الراحل عبد الحميد الكاتب التى قدم بها الطبعة الأولى.. وهى استهلالية تتسم بعمق وموضوعية الدراسات العلمية. والحقيقة ما يدفعنى إلى سطورى هذه.. ليس فقط صدور الطبعة الثانية من رواية مزرعة الحيوانات.. بل أيضا ما كتبه الصديق الروائى محمد القصبى فى سلسلة مقالاته المثقفون والمخابرات بملحق الواحة -عدد 4مايو- حول علاقة أورويل بالمخابرات البريطانية وأنه -أى أورويل- كان من ذوى الميول التروتسكية.. وأن نزعته التروتسكية دفعته للوشاية بمئة مثقف بريطانى من ذوى الميول الماركسية لدى مخابرات بلاده نكاية فى النظام الستالينى الذى يكنّ له كراهية عميقة، بسبب بطشه بالشيوعيين التروتسكيين..! وهى القائمة التى وصفتها الصحف البريطانية اليسارية بلائحة أورويل السوداء. والحقيقة أن أورويل كما يبدو من كتاباته ذو نزعة ليبرالية.

فى عام 1945 نشر جورج أورويل روايته مزرعة الحيوانات.. وقد بيع منها أكثر من مليون نسخة وترجمت إلى أربع عشرة لغة أجنبية فى ذلك الوقت، (ترجمت حتى الآن إلى 39 لغة) وجلبت له هذه الرواية الثراء والشهرة ورغم أن (السلّ) قد بدأ يدمر جسده إلا أنه أكمل روايته الأخيرة (1984) وتوفيت زوجته الأولى فى 1945 وقبيل موته بوقت قصير تزوج من (سونيا أورويل) فى يناير 1950، وفى السادسة والأربعين من عمره مات أورويل وهو فى قمة ازدهاره الأدبى. لم يكن بوقًا وما أود قوله أن أورويل كان يجد صعوبة بالغة فى نشر مؤلفاته ذلك لأنه لم يكن كاتبا تقليديا بل إن صراعاته مع الأفكار البالية والعادات الراسخة لعبت دورا موثرا. وتلك الخصيصة هى التى جعلت كتاباته تشع لتفرض نفسها حتى بعد وفاته، ولأنه انتقد اليمين واليسار معا فقد تباينت الآراء فى تصنيف ذلك الكاتب الفريد والحقيقة أنه لم يكن بوقا لأى اتجاه، ولم يكتب إلا ما يشعر وبه ويحسه ويعتقده. كان يبحث دائما عن عالم لا تمزقه أنياب الجوع ولا يسحق كرامته طغيان الديكتاتورية، فصار بذلك متسقا مع نفسه متوحدا مع آلامه وآماله مهما تباينت الآراء فيه واختلفت وجهات النظر فى تصنيفه وفى بداية رحلته مع الكتابة.. خالط البؤساء والمشردين وعايش الطبقة العاملة، ومن يحيون حياة الكفاف فعرف الجوع وأحس بضراوته فأخذ يصارعه ويصارع من يقفون وراءه ويصنعونه ويباركونه، وتبلور ذلك الصراع من خلال كتابه (مستعطل فى لندن وباريس) وروايته (الطريق إلى ويجان بير). انضم إلى حزب العمال واعتنق الاشتراكية، ودافع عنها فى مقاليه (الأسد ووحيد القرن) ، (الشعب الإنجليزى) ، وغيرهما، كما طالب بتصفية الإمبراطورية البريطانية. لقد دافع عن حرية الفرد وحرية الأديب، وحرية الجماهير والشعوب الضعيفة إذ كان أخشى ما يخشاه أن يستبد إنسان بإنسان أو جماعة بجماعة، أو دولة بدولة. وفى روايتيه (مزرعة الحيوان) ، (1984) ، استطاع أورويل أن يؤلف أفكارا فى ثوب روائى، تعتبر هاتان الروايتان بلورة لمعظم أفكاره وكتاباته السابقة والتى حواها أغلب مقالاته. عندما عاد من إسبانيا فى 1937 بدأ لأول مرة يفكر فى كتابه (مزرعة الحيوان) وبالتحديد عندما اكتشف كيف أن دعاوى الاستبداد تستطيع أن تتحكم فى الشعوب وأن هناك فئات بعينها لا يرضيها إلا ممارسة السلطة وإذلال الآخرين، ولذا فإن الطغيان قد سيطر وساد، ورغم أن (مزرعة الحيوان) رواية ذات صبغة خرافية فإنها محملة بالأبعاد السياسية والاجتماعية العميقة. ولذا لم يجد ناشرا لها إلا بعد عناء. فالرواية تنتقد الحكم فى روسيا (فى الوقت الذى كانت فيه روسيا وبريطانيا فى خندق واحد ضد النازية). وفيها مزج أورويل بين الحس السياسى والمعالجة الجمالية وقد نجح فى ذلك، فهو يرى أن الدافع الجمالى من أهم دوافع الكتابة لديه، ولا بد للكاتب أن يدرك الجمال المحيط به وأن يعبر عنه فى شعر أو نثر جميل، وبالتالى يشرك الآخرين فى شىء يمتلكه، ويحس أنه ذو قيمة.

ربيع مفتاح